من أشد الأوجاع على المرء عندما يرحل من يحبه دون وداع، دون أن يعلم ما تكنه الأنفس من محبة واحترام وتقدير له، ودون أن تسمح له الظروف باللقاء وتقاسم الإعجاب، يرحلون في لحظة دون سابق إنذار يرحلون وقد تركوا رصيداً من الأعمال كانت حلقة وصل وإعجاب، تعرفهم تماماً وتتتبع أخبارهم وتعيش قصصهم ونمط حياتهم وتحسب أنك فرد منهم ولكنهم يجهلون من أنت فأنت بالنسبة لهم مجرد رقم، هكذا حال الفنان وجمهوره، فعندما يترجل فنان مفضل لنا ويختاره الله برحمته تنزعج ويضيق صدرك وتبكي على رحيله تماماً مثل أفراد أسرته، تعيش معه من خلال أعماله الفنية قصص الحب والهيام والحرمان والخيانة والسعادة وتتقمص في حزنه وتتفاعل مع حياته اليومية فهو القرين عبر الأثير، ومع ذلك يرحلون دون أن يعلموا مقدار حبك لهم.

على مدار 60 عاماً من العمل الفني للراحل الصوت الجريح عبدالكريم عبدالقادر رحمه الله جمع خلالها محبة لا تضاهي أي محبة، محبة جمهور كبير من العالم العربي، لم يكن فناناً من دولة الكويت بل كان فنان العرب، امتاز بصوت حنون يخالطه الجرح لكلمات وألحان لا تناسب إلا أن يغنيها هو فقط فصوته الشجي يشدك لتسمعه وتنسجم معه مثل أغنية «مرني وغريب والصوت الجريح وتأخرتي ووداعية» والكثير من الأغاني التي تعيش معها حرفا بحرف وكلمة بكلمة وآه بآه وكأنك في عالم آخر وحدك بعيداً معه تشاطره حلم اليقظة.

«مع غروب شمس الجمعة، غاب صوت الكويت الجريح، بعد مسيرة فنية امتدت ستين عاماً من العطاء»، هكذا أعلن تلفزيون الكويت الرسمي نبأ وفاة الفنان الكبير عبدالكريم عبدالقادر رحمه الله، ترجل الفارس الصوت الجريح ضجيج العالم فقد كان رحمه الله مسالماً لم يخض معارك لا تعنيه في الوسط الفني ولم يتكلم عن الآخرين إلا بالكلام الذي يبلور أخلاقه وتربيته وأصالته، رحمه الله كان قامة فنية عظيمة رحل عن عالمنا إلى عالم أفضل بإذن الله، رحم الله فنان العرب عبدالكريم عبدالقادر وغفر له وأسكنه فسيح جنانه، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان آمين.