سأقول في أيام «جيل الطيبين» وما يسبقهم من أجيال درست في مدارسنا الحكومية التي خرجت طاقات وكفاءات على سواعدها نهضت بلادنا منذ عقود طويلة، في تلك الأيام كنا ننهل التعليم بتنوع روافده من مدرسين بحرينيين وكذلك أشقاء من الدول العربية.

ولربما كانت الغالبية حينها للمدرسين الذين يأتون للتعليم في البحرين من الخارج، وكان أمراً مبرراً لوجود حاجة كبيرة في ظل عدد قليل آخذ في التزايد فيما يتعلق بخريجي التعليم من البحرينيين، ولذلك كثيراً منا يدين لمن درسه يوماً من مدرسينا العرب الكرام، وبما استفدناه منهم ومن خبرتهم وعلمهم.

لكن مع التطور الزمني والنهضة البحرينية في كافة المجالات، ومع تزايد أعداد الطلبة ودخول معترك الحياة الجامعية سواء في داخل البحرين وخارجها، واتجاه كثيرين لسلك التعليم باعتباره المهنة الأرقى والأسمى بين المهن، مثلما هو الحال لدى اليابان التي تمنح أعلى الأجور للمدرسين لأنهم هم من يؤسسون الطاقات التي تبني البلاد وتقود مسيرة التطوير فيها. مع هذا التطور زخرت البحرين بأعداد كبيرة من الخريجين المؤهلين لدخول سلك التعليم.

وعليه حينما يكون لدينا الاكتفاء بالعدد، وكذلك دخول كل البحرينيين في جميع التخصصات وتميزهم فيها، لابد وأن تكون «بحرنة» التعليم بالكامل هي الهدف الأساس. إذ وصلنا لمرحلة لا يقبل فيها القول بأن هناك تخصصات لا يمكن للبحرينيين أن يشغلوها في سلك التعليم.

بالتالي تصريح وزير التربية بشأن بلوغ نسبة «البحرنة» و«التوطين» في قطاع التعليم إلى ٨٧٪ نسبة إيجابية، إذ ما أخذنا في الاعتبار عمليات الإحلال التي تمت والأرقام المرتبطة بها. إذ ما يهم البحرينيين في الأساس هو إيجاد الشواغر التي يستحقها خريجو التعليم في كافة التخصصات، والطموح هنا بأن نصل إلى نسبة ١٠٠٪ في كافة مدارسنا الحكومية.

نعرف تماماً بأن ملف التربية من أصعب الملفات، نعرف ذلك منذ كنا طلاباً إلى وقت تحولنا لآباء يحرصون على تعليم أبنائهم. وكذلك لاحترامنا الشديد لمهنة التعليم وكيف أن من علمونا لهم الفضل بعد الله اليوم فيما نصل إليه، ولا نحتاج لإيراد الأمثلة الشهيرة التي تبرز أهمية التعليم ودور المعلم.

وفي ظل هذا التوجه المطلوب، أي «بحرنة» القطاعات كافة وليس التعليم فقط، فإن التطلع الهام الآن باتجاه ضرورة حصر عدد خريجي التعليم في مختلف التخصصات، ممن تحصلوا على الشهادات وينتظرون التوظيف. وأن تكون الخطة الواضحة مرتبطة بسرعة توظيف وإيجاد مصدر الرزق الملائم لهم.

ليس التوظيف في التعليم مرهوناً فقط على مدارسنا الحكومية، بل المدارس الخاصة يفترض بأن تمنح الأولوية للبحريني في هذا الجانب، وهو تحدٍ نتمنى من وزارة التربية والتعليم أن تخوضه وتنجح فيه.

وسبب القول هذا بعض مما وصلني من خريجي التربية الرياضية سواء من جامعاتنا المحلية أو الجامعات الخارجية، إذ حينما سألت بعضهم إن هم سعوا للعمل في بعض المدارس الخاصة كخيار، إذ قالوا بأنهم لا يمانعون رغم أن العمل في مدارسنا الحكومية أفضل وأضمن، إذ بعض المدارس الخاصة تقبلهم بعقود أقصاها يصل إلى ثلاث سنوات ثم يتم إبدالهم بآخرين، ما يعني غياب الاستقرار وعدم حفظ الحقوق التقاعدية.

هنا أمامنا تحدٍ أكبر من عملية إيجاد الوظائف التعليمية في القطاع الخاص، إذ ضمان حقوق البحريني واستقراره وأمنه الوظيفي إن عمل في هذا القطاع.

شخصياً أؤمن بأننا نعيش في مرحلة تتضمن كثيراً من المراجعات وتصحيح للمسارات في شتى قطاعات الدولة، ما يعني أن الاقتراب من الناس ومعرفة همومهم ومطالبهم وإيجاد حلول سريعة ناجعة لها أمر حتمي يتفق عليه الجميع.

نحترم ونقدر كافة الكفاءات الأجنبية التي احتاجت لها قطاعاتنا في يوم ما، ونشكرهم على إسهاماتهم، لكن وصلنا اليوم لمرحلة لابد وأن يكون فيها البحريني هو «الرقم واحد».