مشكلتنا أننا للأسف كنا نقيم وزناً لكل ما تقوله الدول الأجنبية في شأن حقوق الإنسان، وكأننا نعترف بتقصيرنا في هذا الجانب.

رغم أن الحقيقة والواقع يقولان إن الدول العربية والإسلامية هي التي تراعي في كل شيء حقوق الإنسان واحترام الأديان، ولا تعتمد سوء المعاملة «منهاجاً» لبعض ممارساتها المرتبطة بالأمان والإرهاب. وهذه النقطة الأخيرة تحديداً هي التي تمارسها تلك الدول الأجنبية التي تحاول أن «تنظر» علينا، وتمارس «الفلسفة» وكأنها هي «عرابة وحامية حقوق الإنسان».

الولايات المتحدة الأمريكية التي تمنح نفسها صلاحية الفتوى بحق كل دولة على هذا الكوكب بشأن حقوق الإنسان، بل تصدر بكل أسلوب فج عبر وزارة خارجيتها تقريراً سنوياً تدعي فيه أنه يمثل رصداً لانتهاكات حقوق الإنسان في العالم، هي المفترض أن تكون هي نفسها على رأس قائمة منتهكي حقوق الإنسان.

الإدارات الأمريكية المتعاقبة منحت نفسها صلاحية «مطالبة» الدول ذات السيادة وبالأخص الخليجية والعربية والإسلامية بأن تطلق سراح إرهابيين وانقلابيين رغم أن هؤلاء خضعوا لمحاكمات عادلة وفق درجات تقاضٍ متدرجة تحرص على حقوقهم، في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها «تتوارى» في الظل حينما يتم الحديث عن ملفها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.

جرب أن تطلب من البيت الأبيض إطلاق أشخاص لن أقول «متهمين» بالإرهاب، بل حتى «مشتبه بهم» في قضايا إرهابية، وانظر ماذا يكون ردهم عليكم!

إن وصل الأمر إلى تهديد أمن الولايات المتحدة حتى لو كان من شخص يبعد آلاف الأميال عن أرضهم، فهذا أمر يمنحهم الحق حتى بإطلاق الجيوش لاحتلال ومهاجمة هذه الأراضي، حتى لو لم تكن هناك أدلة ثابتة. ولكم في أفغانستان والعراق وفيتنام والقنابل الذرية على اليابان خير دليل.

بل من ينظرون علينا بشأن حقوق الإنسان، هم يمتلكون أبشع المعتقلات الرهيبة التي يمارس فيها «التعذيب» ليس بمنهجية فقط، بل بـ «ابتكارات مروعة» لطرائق تعذيب «سادية» لا تخطر على بال بشر. ويدرك كلامي من تابع فضائح التعذيب في معتقل «أبوغريب» بحق العراقيين، ممن غزوا بلادهم بحجة «تحرير العراقيين».

واتركوا ذلك كله، إذ لا أعتقد وجود أحد لا يعرف بشأن معتقل «غوانتانامو» الرهيب، هذا المعتقل الذي شهد حالات اعتقال لأشخاص قضوا مددا تتجاوز 20 عاماً من دون أدلة أو محاكمات، بل أشخاص مورست بحقهم أشنع طرائق التعذيب السادي والجنسي والإرهابي الذي لا يمكن تصوره أو تخيله.

ومؤخراً خرجت فضائح جديدة مروعة من قبل أحد المعتقلين وهو باكستاني يدعى أبو زبيدة، والذي وثق بالصور طرائق التعذيب التي يذهل بشأن بشاعتها أي إنسان، وكيف مورست عليه بشكل همجي وإرهابي من قبل الجنود الأمريكيين، وهي وسائل تعذيب استخدمت بحق مئات من المساجين. نعم مساجين فقط اتهمتهم أمريكا بالاشتباه بضلوعهم في هجمات إرهابية، فنكلت بهم وعذبتهم، وفي المقابل تطالب الدول الأخرى بإطلاق الإرهابيين ومنفذي عمليات تهدد أمن الدول واستقرارها.

هذا المعتقل الرهيب أنشأه جورج بوش الابن ليضع فيه أي شخص يتهمونه بأنه ضليع في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ولهول الفضائح التي أدهشت العالم بشأن «الديمقراطية الإرهابية الأمريكية» خرج الرئيس الأسبق باراك أوباما عشرات المرات ليؤكد أنه سيغلق هذا المعتقل. لكن طبعاً لم يحصل هذا واستمرت عمليات التعذيب. ولم يغلق في عهد ترامب، والآن بعد الفضيحة المدوية الأخيرة خرج الرئيس الحالي جو بايدن ليعد بإغلاقه.

الولايات المتحدة آخر جهة يحق لها التحدث عن حقوق الإنسان والتنظير فيها. آخر جهة يحق لها مطالبة الدول بإطلاق الإرهابيين أو تغيير القوانين والقضاء لأجل عيون البيت الأبيض. أنتم من أباد الهنود الحمر في مجازر، أنتم من قصفتم اليابانيين بقنابل ذرية، أنتم من غزوتم بلداناً ودمرتموها، وأنتم من مارس التعذيب الوحشي وتفننتم فيه.