مداخلات النواب في هذا الفصل التشريعي تبين حالتين، الأولى إيجابية حيث نرى مساحة واسعة من الحرية في الطرح لجميع القضايا، وهذا تأكيد أن حرية التعبير متاحة بشكل واضح وصريح تحت قبة البرلمان تحديداً، وهو المكان الأنسب لطرح الآراء والمطالبات بدون تحفظ أو تردد. كما تفند أي تشكيك يصلنا بين الفينة والأخرى من المتربصين حول سقف حرية الكلام. أما الحالة الثانية فهي سلبية لأن بعض النواب الكرام يستخدم هذه المساحة الكبيرة من الحرية في توجيه خطابه بلهجة تتجاوز أعراف مجتمعنا وما تعودنا عليه.
وأعتقد أن مسألة الأعراف وعادات التخاطب في ما بيننا مسألة في غاية الأهمية وأشجع أن ينتبه لها الإخوة والأخوات ممثلي الشعب؛ فالبحريني إذا أراد أن يتحدث ويخاطب يلجأ إلى أقصى درجات الدبلوماسية ويتجنب الصدام المباشر في غالب الأحيان. أيضاً يسعى للهجة معتدلة في حديثه ولا يصوب السهام «المسمومة» تجاه الآخرين إلا في حالات نادرة جداً.
ومن الضروري أن يتجنب المتحدثون تحت القبة اقتباس أسلوب المداخلات من الدول الأخرى، فنحن لنا أسلوبنا وهم لهم أسلوبهم. وأي حالة اقتباس وتقليد تكون مكشوفة ولا تلقى الترحيب.
وعلى أي متحدث في العلن هنا في البحرين، بعيداً عن مسألة القانون والمساحة المتاحة للرأي، أن يعي أننا مجتمع صغير جداً، والكلمة لها تأثيرها في نفوس الآخرين، وقد تكون لها تبعات على العلاقات الاجتماعية وأن الانتقاد الصريح سوف يؤثر سلباً في هذه العلاقات.
بالمختصر، نحن في مجتمع «نزعل» من بعضنا إذا تحدثنا مع بعض بنبرة حادة وتم توجيه الانتقاد العلني لنا. ومازلت أذكر كلام صحفي متخصص في الرياضة ومن المخضرمين سألته في بدايات دخولي المجال الإعلامي عن سبب ابتعاد صحافتنا عن توجيه الانتقاد للأشخاص كما نقرأ في صحف الدول الغربية فكرر علي كلمة «يزعلون» مستذكراً مقالاً كتبه هو عن رؤساء أحد الأندية انتقده فيه فقرر رئيس هذا النادي أن يقاطع الصحيفة ويقاطع الصحفي بل لا يرد عليه التحية سنوات عندما يلقاه في المناسبات. ليس ذلك فحسب بل قاطعه أيضا جميع أفراد عائلة رئيس النادي وهي عائلة كبيرة للعلم.
وختم الصحفي رده على سؤالي بأن تجربته في الصحافة علمته أن للبحرين طابعها الخاص وعاداتها وطريقتها في كل ما ينشر ويتداول في العلن، ولا يمكن مقارنتها بأي دولة أخرى؛ فالناس كلهم أهل ومترابطون اجتماعياً بشكل كبير وإذا «زعل» أحدهم فقد يكون لهذا الزعل ارتدادات غير مريحة على العلاقات. وأعتقد أن التعلم من تجربة الصحفي المخضرم أمر مهم للمتحدثين في مجلسنا النيابي.