لم يبقَ أحد له علاقة بالسياسة ولم يبقَ أحد لا علاقة له بها ولا يفهم فيها إلا وأدلى بدلوه في موضوع الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم توقيعه أخيراً في الصين. ورغم أن المعنيين بالاتفاق قالوا بشكل مباشر وبشكل غير مباشر إن «النقاط الأهم في الاتفاقية سرية ولا يمكن الإفصاح عنها» إلا أن الكثيرين لم يتوقفوا عن الحديث في تفاصيل لا يمكن لهم أن يتحدثوا فيها إلا لو كانوا حاضرين تلك الاجتماعات ولم يغيبوا عنها قيد ثانية.

في السياق نفسه عبر المتفائلون بطبيعتهم عن اعتقادهم بأن الأمور بين السعودية وإيران صارت سمناً على عسل وأن المنطقة ستربح من اتفاقهما الكثير وستنتهي مشكلات العديد من دولها، بينما عبر المتشائمون بطبيعتهم عن اعتقادهم بأن الأمر لن يعدو عنواناً وقتياً وأن الأمور ستعود إلى سابق عهدها بين الطرفين منطلقين من فكرة أن لدى إيران مشروعاً سياسياً ومذهبياً لا يمكن أن تتخلى عنه وفي المقابل لا يمكن للسعودية أن تقدم التنازلات وتسهم في تمكين إيران من تنفيذ ذلك المشروع.

ما غاب عن الكثيرين أن تفاصيل أي اتفاق بين أي دولتين في العالم وعلى مدى التاريخ لا يمكن أن يعلمها غيرهما وربما البلد الوسيط الذي كان له دور تنسيقي وحضر الاجتماعات وشارك في تقريب وجهات النظر وتقديم التنازلات وفي صياغة الاتفاق والبيان الختامي. وما غاب عنهم أيضاً أن أي اتفاق بين أي دولتين يتضمن جانبين أحدهما يمكن الإعلان عنه والآخر يظل سرياً قد لا يعلم عنه الوسيط نفسه. وهذا يعني أن كل التحليلات التي أعقبت الإعلان عن الاتفاق ولازالت مستمرة ليست إلا اجتهادات تعتمد على التوقع وخبرة أصحابها وقدرتهم على ربط الأحداث بعضها ببعض وعلى قراءة الساحة، ولهذا جاءت مختلفة وفي كثير من الأحيان متناقضة. والأمر نفسه فيما يتعلق بالموقف من الاتفاق؛ فالمؤيدون له يزينونه ويعتبرونه الكمال بينما المتحفظون عليه يضعون فيه ألف عيب وعيب.