انتفاضة الشعب الإيراني المستمرة لأكثر من ستة شهور والتي دفع الشعب ثمناً باهضاً لاستمرارها، وضحى أكثر من 750 مواطناً بأرواحهم فداءً لحرياتهم ورفضهم النظام الحالي، واعتقل كذلك أكثر من 30 ألف متظاهر بحسب إحصائيات المقاومة الإيرانية في الخارج، وهذه الإحصائية تزيد كل يوم، ولكن في المقابل انتفاضة الشعب تزيد وطأتها على النظام الذي بدا متهالكاً ومنهكاً، خاصة وأن العالم يقف بقوة مع الشعب ضد النظام.
وبالرغم من تلك الانتفاضة الباسلة التي مصدرها الشعب الإيراني وحده، وخلفه مقاومة في الخارج عملت ولا تزال على دعم الشعب وإيصال مطالبه المشروعة، إلاّ أن هناك أمراً ما يلوح في الأفق، وهو ظهور المدعو رضا بهلوي ابن شاه إيران السابق، الذي بدأ يتحدث باسم الشعب الإيراني بجمل وعبارات لا تختلف في أهدافها وتوجهاتها عن مطالبات الشعب الإيراني نفسه، والمتمثلة في الإطاحة بنظام الملالي.
وهناك تساؤلات هامة بشأن بهلوي، ومنها: أين كان ابن الشاه هذا قبل انتفاضة الشعب؟ وهل أصبح منافساً لجماعة "مجاهدي خلق" رغم تشابه أهداف الطرفين وهو الإطاحة بنظام الملالي؟، ثم لماذا يتصدر ابن الشاه المشهد في أوروبا وتتم دعوته لمؤتمرات دولية وآخرها مؤتمر ميونخ للأمن؟ ماهي مساعي الغرب ومخططاته بشأن بهلوي؟ وهل وجوده في الساحة الآن يعتبر محاولة لإعادة نظام حكم والده لإيران؟ ولكن أين دور جماعة مجاهدي خلق؟ وما هو وضعهم في المشهد الذي كانت لهم الصدارة في مقاومة النظام؟ هل هناك تنسيق وتبادل أدوار بين هذه الجماعة، وبين بهلوي الذي كان شبه متخفياً عن المشهد والحراك الإيراني.
تلك تساؤلات تجعلنا نتوجس من مستقبل إيران الذي كان يُنظر إليه بتفاؤل أكبر في ظل استمرار انتفاضة الشعب ضد نظام الملالي، وتحقيقها نجاحاً كبيراً ومتصاعداً، في مقابل تراجع وتقهقر النظام الذي لا يُستبعد أن يُطاح به في أي وقت، بسبب قوة الشعب وإصراره أكثر من أي وقت مضى على الإطاحة بالنظام الحالي.
إن بروز ابن الشاه في الساحة حالياً، والتحدث باسم الشعب الإيراني يجعل بعض المراقبين في شك وتردد حول دوره الفعلي في المشهد الإيراني، فهل هو دور تكميلي أم دور مختلف تماماً؟، وإن كان مختلفاً فما هو هذا الاختلاف؟ ، في اعتقادي أن ظهور ابن الشاه ليس مناسباً الآن، بل أعتبره تشتيتاً لجهود جماعة "مجاهدي خلق" الكبيرة والبارزة طوال السنوات الماضية، ولا أستبعد أن مع وجود بهلوي قد تأتي "قُبلة الحياة" لنظام الملالي المحتضر، فبهلوي قد يفتح جبهات صراع مع جماعة "مجاهدي خلق"، ويكون النظام الحالي هو المستفيد الأكبر في إحكام قبضته على إيران، وبالتالي القضاء التام على انتفاضة الشعب، وضياع كل تضحياته وذهابها سدى.