كلما أردت أن أستوعب حقيقة ما يدور حولي وحقيقة تلك الصور المتعددة في الحياة، كلما عدت مُجدداً لألتقط أنفاسي من جديد لأتأمل الحال وأعود إلى نفسي «المُقصرة» فماذا قدمت وإلى أين المسير؟ أكتب كلمات فأتذكر بأن بعضها تتكرر اليوم ولكن بمزاج آخر ومشاعر أخرى وأحداث لربما تحدث وكأنها للمرة الأولى. اليوم الحال تغير، وأصبحت الضرورة مُلحة لبناء حقيقي آخر لمفاهيم «الأثر». الأثر الذي قطعت على نفسي العهد بأن أسير على منهجه أبداً ما حييت، وأحاول أن أترك شواهده في كل مكان تطأ فيه قدمي، لسبب بسيط.. أنني بحاجة ماسّة لأن أكون «صاحب أثر ومؤثر» في الوقت ذاته، وإن تلونت الحياة بظروفها القاهرة والمؤلمة في أحيان كثيرة. فلم تغب بعد صور وآثار الزلزال المُدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، وما زالت عمليات البحث والإغاثة مستمرة ومعها تتعدد الصور، وفي كل صورة قصة ومعنى وأثر. نعم أثر في نفسي أولاً قبل الآخرين. أثر تلك العوائل الكثيرة التي انتهت قصتها في الحياة فماذا قدمت، وأثر تلك الأنفاس التي لم تنتهي بعد قصتها ولم يحن الوقت للرحيل، فهي تجرعت الآلام تحت الأنقاض، ولربما لم تعرف لماذا بقت إلى هذه اللحظة. الألم الذي لربما لا نتحمله أبداً في واقع حياتنا. أتذكر ألم الشوكة، وألم المرض الذي يقعدنا أحياناً عن ممارسة أبسط معاملاتنا الحياتية. ولكن أعود وأستذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يُصيبُ المسلم، من نصب ولا صب، ولا هم ولا حُزن ولا أذىً ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياها». هي شوكة فما بال تلك الآلام.. فهنيئاً لهم تلك الأجور. هو «أثر» سعيتُ لبنائه من جديد.. ومراجعة قطوف «الإيمان»، أحسست أن الأمر جلل، مشاهد مؤثرة تذكر بمشاهد القيامة، ولا بد أن نكون في مقدمة الركب لتقوية الإيمان وتجديده.

البناء الحقيقي للأثر عندما تجلس مع شركاء النجاح والتغيير فتجدهم وقد تحدثوا عن «الأثر» وهمهم أن يعم التغيير كل مناحي الحياة، وبالأخص تلك «الأسرة» الصغيرة التي بدأت في تعليم فلذات أكبادها كيف يتعاملون مع الحياة، وكيف يعايشون الواقع ويتقبلوا الأقدار ويتعلموا الصمود والكفاح. البناء الحقيقي عندما تتكلم عن الأثر الذي تتركه فيمن تعلمه وفي محيط عملك، وعن تلك العقلية التي تعرف كيف تواجه الحدث وكيف تستثمر وقتها من أجل أن تترك مساحات حياتها وقد تحدثت عنها الحياة بأنها كانت هنا وساهمت في التغيير وساعدت من أجل أن تكون بنياناً شامخاً تتحدث عنه الأجيال، وليس واقعاً مُهمشاً وكأنه نسياً منسياً. البناء الحقيقي بأن تكون ذلك الموظف الواعي في عمله، يصنع أثره بأخلاقه وحبه لكل دقيقة يستثمر فيها وقته، ولا يهدرها في القيل والقال والتغيب عن العمل بأمور خادعة. البناء الحقيقي بأن تكون سليم القلب تتشافى من أمراضه، وتسعى للإنجاز والعطاء والوصول للأثر الجميل. إن أردت «الأثر الواضح» فاعمل بأن تؤثر في نفسك أولاً وتتخلص من الطاقة السلبية التي لازمتك سنوات طويلة، وتتخلص من أفكار بالية عقيمة وظنون وهمية جعلتك تكون وحيداً بعيداً عن العطاء الحقيقي والأثر المرجو.

بناء الأثر الحقيقي لا يكون مجرداً من الواقع، بل أن تكون «هنا» في كل لحظة، وتكون يداً تبني الخير وقصة تُحكى للأجيال. بناء أثرك الحقيقي في نفسك أولاً وفي محيط أسرتك وعائلتك الممتدة، وزملاء العملاء، ومع قصة العمل الجميلة التي لازمتك سنوات وستلازمك حتى التقاعد، ومع ذلك المسجد الجميل الذي اعتدت الصلاة فيه، ومع رفقاء الحياة، ومع الوطن بأكمله. حينها تردد سؤالاً في كل لحظة: يا ترى بماذا أفدت وماذا أريد أن يُقال عني بعد أن ينقطع عملي من الحياة وتنتهي أنفاس العطاء؟

ومضة أمل

كان هنا ورسم أجمل لوحة وترك في نفوسنا أجمل الأثر. فجزاه عنا كل خير.