لا يخفى على أحد أن مؤسسات التعليم العالي أصبحت ذات متطلبات وحاجات مستمرة للموارد المختلفة اللازمة لتطوير التعليم فيها، وذلك في خضم العديد من المستجدات مثل زيادة أعداد الملتحقين بهذه المؤسسات حيث أصبحت تواجه تحديات وصعوبات متفاوتة في توفير الاعتمادات المالية التي يتطلبها تشغيل تلك المؤسسات والتوسع بها وخصوصاً في الدول النامية حيث تكون الدولة هي المصدر الرئيس لتمويل التعليم الرسمي لذا كان لابد لهذه المؤسسات أن تتوجه نحو زيادة إنتاجيتها وتهيئة فرص النمو الاقتصادي بها وهذا لن يتم إلا من خلال الشراكة في مشاريع بحثية إنتاجية، والمشاركة في التطوير التقني.

وقد شهدت بعض مؤسسات التعليم العالي مؤخراً تحولاً ملحوظاً في أدوارها التعليمية والبحثية استجابة لبعض المتغيرات الاقتصادية العالمية التي جعلتها مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالاندماج في آليات السوق، مما زاد من أعبائها المالية فالجامعات بشكل عام والحكومية منها على وجه الخصوص تعاني من الأزمات المالية التي يصعب حلها والتي أخذت تلقي بظلالها على المسيرة التعليمية في تلك الجامعات حيث إن الاعتمادات المالية الحكومية المتاحة تتجه نحو النقص وذلك بالمقارنة بحجم الطلب عليها.

وأول ما تلقي هذه الأزمة بظلالها عليه في دور الجامعة كمركز أساسي للبحث العلمي الذي هو المهمة الأساسية للجامعة وذلك لأنها ليست مؤسسة تعليمية فحسب إنما هي بمثابة مركز للبحوث العلمية ولذا فإن هذا التحدي لا يحتاج لحلول تقليدية كما كانت موجودة بالسابق إنما هي بحاجة لحلول إبداعية تستطيع من خلالها البحث عن مصادر ذاتية القيام بعملية تمويل ذاتي.

إن من أبرز الحلول الإبداعية أمام كثير من مؤسسات التعليم العالي ظهور فكرة ما يطلق عليه - الجامعة المنتجة - وهي الجامعة التي تسعى لإيجاد الطرق الإبداعية لخفض تكاليف وزيادة الإنتاجية وخلق مصادر تمويلية ذاتية غير تقليدية عن طريق تسويق منتجاتها، ليس بهدف الربح كما في القطاع الخاص وإنما لتغطية نفقاتها وتكاليف التطوير المستمر وتحسين جودة التعليم والمساهمة في التنمية المجتمعية الشاملة ويعد نموذج الجامعة المنتجة نموذجاً مرناً يحقق التوازن بين وظائف الجامعة الثلاث «البحث والتدريس وخدمة المجتمع» على اعتبار أن الجامعة جزءٌ لا يتجزأ من آليات السوق ومؤسسة لإنتاج وتسويق المعارف والبرامج والأبحاث المرتبطة بالسوق وعقد صفقات الشراكة مع مؤسسات المجتمع الأخرى.