غريب أن يذرف البرلمان الأوروبي دموع التماسيح على ما يدعيه ويُصدر بياناً بشأن ما أسماه بانتهاك «حقوق الإنسان في البحرين»، تلك الدولة المسالمة التي تحترم حقوق الإنسان في عدة مجالات، منها التعبير عن الرأي ويشتمل دستورها بكل ما تعنيه الكلمة من معاني حقوق الإنسان، وتوفر لشعبها ولمن يقيم فيها بيئة آمنة؛ لذا كان حقاً مشروعاً عليها، تكفله لها القوانين الدولية ودساتير العالم أجمع وخاصة بعد تعرضها لمحاولة انقلابية عام 2011 وما ترتب عليها من آثار، أن تدافع عن نفسها ضد جماعات طائفية تنشر الإرهاب والرعب وتمارس سياسة فرّق تسد الطائفية -ولاتزال- لتحقيق أهدافها بإسناد من دولة أجنبية.

كان الأجدى ببرلمان الاتحاد الأوروبي أن يصدر بياناً يدافع فيه عن حقوق الإنسان في دول تُنتهك فيها حقوق الإنسان بالفعل، وأوضح مثال على ذلك ما يحدث في إيران من قمع وإعدامات يومية لشعبها بما فيها من إعدام للأطفال والنساء ويزج بالأطباء وأساتذة الجامعات من مختلف القوميات التي تعيش في إيران، في السجون لمجرد أنهم يقومون بمظاهرات سلمية واحتجاجات للمطالبة بحقوقهم في التعبير عن الرأي وأن يتوفر لهم مستوى معيشي يليق بهم كبشر في دولة تعتبر من أغنى دول العالم.

بل ويمتد انتهاك النظام الإيراني لحقوق الإنسان بالوكالة إلى دول أخرى، ففي سوريا يتم تشريد شعبها وتهجيرهم إلى مصير مجهول بسبب النظام الإيراني الذي يعيد التركيبة السكانية في سوريا بما يخدم مصالحه، وفي العراق وبسبب الجماعات الإرهابية الموالية لإيران لا يجد شعبها الماء والكهرباء، ودور إيران في لبنان من خلال «حزب الله» حيث دولة بدون رئيس ولا حكومة، واليمن حيث لا تعليم أو حليب للأطفال حيث تنتهك فيها أبسط حقوق الإنسان من قبل الأحزاب المحسوبة على النظام الإيراني وهم «الحوثيون»، كل هذا يحدث بسبب تدخل النظام الإيراني في الشؤون الداخلية لهذه الدول.

وهنا نتساءل، هل مفاوضات دول «الناتو» مع النظام الإيراني بشأن المفاعل النووي الإيراني، والتي مضى عليها وقت طويل ولاتزال، أعمت دول الناتو عن الوضع السياسي الداخلي في إيران وتريد أن تجعل من البحرين، التي تأخذ بأرقى الدساتير في العالم وتلك التي تحترم كرامة الإنسان، قرباناً تتقرب به ومن خلاله للنظام الإيراني، خاصة وأن هذا النظام عليه من الأدلة والإثباتات التي تؤكد على أطماعه في مملكة البحرين؟

لقد كانت أوروبا في يوم ما منارةً لحقوق الإنسان ولمبادئ العدالة والحرية والمساواة، واليوم أصبحت ملجأً للإرهابيين ومن يستبيحون دماء الإنسان ويتم تصنيفهم عندهم «بالمناضلين والمنتهكة حقوقهم». لماذا تخلت أوروبا عن هذا الدور وعن المبادئ التي قامت عليها ثورات عصر النهضة الأوروبية عندما كانت ملجأ للقيادات التي تناضل حقاً عن شعوبها؟

إن دول أوروبا اليوم أصبحت تكيل مكيالين في مجال سياستها الخارجية وفي مجال مهم، حيث من النظرة الأولى قد ترى أزمة حقوق الإنسان في أوروبا فكرة صعبة التصديق، لكنْ إذا خدشت السطح ونظرت تحته ترى توجهات مقلقة بحق. هناك أربعة تطورات بارزة تعبّر عن تراجع الدور الأوروبي في مجال حقوق الإنسان وهي: انحسار الحريات المدنية في ردود فعل الدول على الهجمات الإرهابي، والنقاش الدائر حول وضع الأقليات والمهاجرين في أوروبا، وصعود الأحزاب الشعبوية المتطرفة وتأثيرها السيء على السياسات العامة، وتراجع فعالية مؤسسات وأدوات حقوق الإنسان التقليدية.

حريّ بدول الاتحاد الأوروبي أن تُمعن النظر وتعيد حساباتها، خاصة وهي اليوم أصبحت كطرف غير مباشر في حرب من المرجح أن تتحول إلى حرب عالمية وهي الحرب بين أوكرانيا التي تدعمها وروسيا التي يقف معها النظام الإيراني، فهل تعيد دول الناتو حساباتها؟