لقد شاع هذا المثل بين الناس، وبات الناس يرددونه على سبيل التندر، ويُساق في عرض الكلام متى ناسب المقال والمقام، ولكنْ قلّ من يستفيد من هذا المثل في ممارسات حياته. وقصة هذا المثل هي أن رجلاً كان يملك صقراً ذا كفاءة عالية في الصيد، ويأتي له بالصيد يومياً فيقتات هو وعائلته، فهو مصدر قوة لهذا الرجل وأمان له ولأسرته. وذات يوم طار للصيد في يوم غائم، وتأخر في العودة لصاحبة، فجال الرجل في الصحراء بحثاً عنه، فسأل عنه راعي أغنام كان يستظل تحت شجرة، فأجاب أنه رأى طيرين يتقاتلان فضربهما بالعصا فقتلهما، وها هما يتقلبان على النار يشويهما. بُهِتَ صاحب الصقر حين سمع أن صقره ذلك الطير الجارح أضحى مشوياً على النار، ومسّه الغم والحزن، وما كان منه إلا أن صاح في الراعي قائلاً: ما الذي فعلته؟ أتطبخ الصقر؟ ويحك إنه لا يؤكل؟ أما الراعي فقال: "صقر أو غيره كلها طيور"، فقال الرجل: "اللي ما يعرف الصقر يشويه"، "مقتبس".

وهكذا راحت مقولته مثلاً يُتمثل به في الكثير من المواقف، أي من لا يقدّر قيمة الصقر ولا يعرفه يفعل به أي شيء، ويعامله معاملة باقي الطيور. وهكذا الحال مع كل الأشياء القيّمة لدينا، فمن لا يعرف قيمتها ومدى أهميتها بالنسبة له يهدرها ويفرّط فيها ولا يستفيد منها ولا يوظفها بالشكل الأمثل.

عجبي من زمان كثر فيه من يشوي الصقور وقلّ فيه من يستفيد منهم ويستعين بمساندتهم، فها هو الولد لا يعرف قدر مساندة أبوية فيبتعد عنهما ويهجرهما، وربما يستعجل في الاستقلال عنهما فيترك البيت مبكراً. وأعجب ممن لا يعرف قدر مساندة جاره في مواقف الشدّة فينساها في زحمة الزمان، ويبتعد عن جارة لخلاف على أمر يستحق أن يخسر مساندة جارة لأجله، وكذلك يفعل البعض مع أصدقائهم الذين يساندونهم، وكذلك يفعل البعض مع زملائهم ومسؤوليهم في العمل أو الموظفين الذين يشرفون عليهم، لا يعرفون قدراتهم وإمكانياتهم، فلا يستثمرونها، بل يتخلون عنها ويحرقونها شيّاً كما قال المثل.

إن رد الراعي: "صقر أو غيره كلها طيور"، يدل على ضعف قدرة الراعي على معرفة إمكانيات من حوله واستثمارها. فلعل من أهم المهارات التي يجب أن نعلمها أبناءنا هي كيفية الحفاظ على العلاقة مع من يساندونهم، والأهم من هذا وذاك أن يفرّقوا بين الصقور والنسور التي تحوم حولهم. فالحذر كل الحذر من شيّ الصقور التي حولك، تلك الصقور التي تحميك وتساندك فتعيش أعزل لتكون فريسةً للنسور.. ودمتم أبناء قومي سالمين.