بصراحة هذا زمن غريب وعجيب، فيه انقلبت الأمور، وبات الشيء الشاذ وغير المتسق مع السليقة البشرية السوية هو «الصحيح»، وبات رفضه هو الأمر «الخاطئ». بل الأدهى أن نرى تسابقاً مريضاً وغريباً حول العالم ومن شخصيات ذات مواقع ومناصب وتأثيرات في الأوساط المجتمعية والسياسية وحتى الرياضية، نرى تسابقاً منهم لـ«الاعتراف» بهذا الطبع «الشاذ»، والإيحاء للمتابع بأن من يدعم هذا «الشذوذ» بطل مجتمعي يستحق أقصى درجات الاحترام.
حتى من إيمانه ضعيف، حتى من هو مقصر في أداء واجباته الدينية، يعلم تماماً بأن ما نشهده هو من «علامات الساعة»، هذه العلامات التي تطفو على السطح بأمور تناقض الفطرة الإنسانية، وتصور «الفحش» و«الفسوق» و«الرذائل» على أنها «فضائل».
المخجل بأننا حينما نقبل كمسلمين بهذا التسويق المريض ونسلم به دون رفض أو استنكار صريح، فإننا لسنا فقط نخالف أوامر الله وتعاليم ديننا، بل وكأننا نقبل على أنفسنا وعلى أبنائنا وأجيالنا القادمة بأن ترى الانحطاط والفسوق أمام عينها وكأنه شيء عادي. بل الكارثة أننا لو سلمنا بما يفرض ويحصل ويتحول إلى «ترند عالمي» في هذا الشأن، هذا يعني بأننا لا نملك الحق بالحديث والاستنكار حتى أو اتخاذ موقف لو رأينا في يوم ما أبنائنا لا سمح الله يدخلون في هذا السياق المنحرف.
مؤلم بأننا كدول عربية ومسلمة قبل ذلك لو جئنا لنزاحم العالم في صناعة المعارض الدولية والتجمعات الضخمة، مؤلم بأنه قد يتم علينا فرض هذا الأمر وكأنه النهج الصحيح. وإن رفضنا ذلك وقلنا بأن ديننا يحرم، وأن النفس البشرية بطبيعتها ترفض، تقوم القيامة عليك وتتهم بالتخلف وأنك ضد الإنسانية والمساواة والتعايش وحقوق الإنسان.
فقط عودوا لعقود بسيطة جداً للوراء، ستجدون بأنه في الدول الأوروبية ذاتها التي تدعم وتروج اليوم لـ«المثلية» وتعتبرهم أناساً أسوياء، ستجدون أن في هذه الدول كانت هذه الفئة تجرم بأفعالها، وكان يقبض عليها وتحاسب وتعاقب بالقانون. لكن المخجل بأن من كان يحارب الانحراف السلوكي البشري فيما مضى، هو اليوم يروج له ويدعو له ويحميه بل ويحاول أن يفرضه على غيره.
حينما نقول كعرب ومسلمين لهؤلاء بأن عليكم احترام ديننا واحترام عاداتنا وتقاليدنا وموروثاتنا، لابد وأن نعلم أنهم يدركون حقيقة ما نقول بالفعل، يدركون تماماً بأننا لسنا ضد حقوق الإنسان ولسنا ضد حرية البشر، بل يدركون بأننا ضد الانحراف وضد الشذوذ وضد الأفعال التي لا تقوم بها حتى المخلوقات الأخرى.
ولقد كرمنا بني آدم، هذا ما يقوله قرآننا، وربنا قص علينا في القرآن قصة قوم لوط وما كانوا يقومون به من فعل مشين محرم، بالتالي هو ديننا في كفة، وحربهم عليه وعلى أخلاقياته السامية في كفة أخرى.
هم يعلمون ذلك تماماً، وحاولوا سابقاً حرف الناس عنه بحملات التبشير وغيرها، وعقبها حاولوا عبر الغزو الفكري والترويج للإلحاد، وهاهم اليوم يحاولون ضرب الأخلاق بأسوأ طريقة، حينما يصورون لك الشذوذ كصورة من صور المجتمع الراقي.
أنتم شاذون، أنتم تعتبرون علاقة الرجل بالرجل أو المرأة بالمرأة عادية؟! طبقوا هذا في بلادكم واستمتعوا به، لكن أن تفرضوا علينا القبول بأخلاقيات وسلوكيات منحطة في بلداننا، وتستخدمون الضغط بشأنه، وتستغلون الفعاليات والمناسبات لأجل ذلك، فهذا سلوك أقبح حتى من سلوك الشاذين.