ربما لم يتصور النظام الإيراني ومن يواليه أن تكون الاحتجاجات التي شهدتها إيران هذه المرة بهذا البأس وتلك القوة، لدرجة أن كل العتاد الإيراني وأدواته القمعية لم تستطع إخماد تلك الاحتجاجات الشعبية العارمة.
وحتى نكون واضحين أكثر، فإن قضية «مهسا أميني» ليست سبباً في نشوب الاحتجاجات واشتعالها في إيران، بقدر ما كانت هذه المرأة الشابة عاملاً هاماً في انفجار الشعب في وجه نظامه بشكل أكبر وأكثر وضوحاً من السابق، خاصة وأن الشعب الإيراني لم يفتر أو يركن للهدوء ويصمت عن الظلم الذي يتعرض له، وقد كان ذلك معلوماً لدى الجميع ولأكثر من عامين تقريباً، ولكن هذه القضية صعّدت من وتيرة الاحتجاجات واشتعلت نارها ليراها القاصي والداني بشكل واضح جداً.
ولعل الشعب الإيراني يدرك أن فرصته كبيرة جداً لنيل حقوقه المسلوبة في هذا التوقيت بالذات الذي يشهد تدهور الأوضاع الصحية للمرشد الأعلى الإيراني، وهي فرصة يصعب تعويضها إذا ما هدأ الشعب وأعطى وقتاً للنظام لاستعادة أنفاسه وترتيب أوراقه والاستعداد لمرحلة ما بعد «علي خامنئي»، لذلك صعّد الشعب من احتجاجاته التي وصلت لقلب منطقة «قم» مقر القيادة الدينية الإيرانية، وتزامن كل ذلك مع قضية «مهسا أميني» لتُصّعد أكثر من تلك الاحتجاجات الشعبية.
إن النظام الإيراني الآن في مأزق، فهو يعيش في عدة فراغات في وقت واحد، فهو ما بين مواجهة تلك الاحتجاجات العارمة التي قد تصعب السيطرة عليها هذه المرة، وما بين الاستعداد لمرحلة ما بعد خامنئي الذي قد تظهر بعده اختلافات في وجهات النظر بين رجالات النظام حول أمور كالسلطة وأساليب القيادة، وتوافق المواقف خاصة الخارجية منها، وربما تكبر تلك الاختلافات لتتحول إلى خلافات، وتنازع السلطة والصلاحيات، عندها قد يكون النظام الإيراني في حالة احتضار حقيقي.
هناك 133 مدينة إيرانية في 31 محافظة شهدت في الأيام العشرة الماضية انتفاضات واحتجاجات شعبية لم تهدأ بل تزداد وترتفع وتيرتها دون هوادة رغم قمع النظام لها ومحاولاته إخمادها بالعنف والقوة مما تسبب في وفاة أكثر من 100 محتج ولايزال العدد في ارتفاع. لنتساءل هنا هل ستكون ثورة الشعب «مختلفة» هذه المرة؟ بالرغم من صمت منظمات ودول تدعي دفاعها عن حقوق الإنسان عنها، ونقول متسائلين هل سمعتم عن الثورة الحالية التي يقوم بها الشعب الإيراني؟