ذهبت سريعاً لمنصة «يوتيوب» أمس باحثاً عن المقطع الشهير للأخ السعودي الذي بدأه بجملة ناصحة تحولت إلى «ترند» عالي الانتشار، ألا وهي جملة: «لا تقتل المتعة يا مسلم».
أغلبكم يذكر المقطع ويضحك عليه ويتندر، رغم أن مضمونه والمغزى منه عميق جداً، فالأخ الكريم كان يشير لظاهرة منتشرة بشكل كبير في مجتمعاتنا من خلال أفراد يبيحون لأنفسهم التدخل في شؤون الآخرين وممارسة «الفلسفة الزائدة» عليهم بشأن ما يفعلون في حياتهم.
تعرفون تماماً ما أقصد، إذ في حياة كل منا أفراد يصادفونه، هؤلاء «غرامهم» التدخل في شؤونكم من مدخل النصح والتوجيه، النقد لديهم أساس، ومحاولة فرض آرائهم وما يحبونه ويفضلونه هي «المهمة الأزلية» التي يشغلون أنفسهم بها.
في مقطع الفيديو الشهير للأخ السعودي يشرح بشكل بسيط وممتع كيف يكون الإنسان خفيف الطلة على الآخرين، كيف يكون شخصاً غير متطفل، وكيف يبني الشخص تصرفاته وأقواله ونصائحه واستشاراته بناء على الاحترام والتفهم لما يحبه ويؤمن به الآخرون.
أعود وأقول بأننا كبشر قد يحب بعضنا أموراً لا يحبها آخرون، وقد يعيش بعضنا بأسلوب لا يفضل آخرون العيش به، وقد ترى طريقتك وأسلوبك وكلامك كأفضل أساليب التعامل ومعايشة حياتك اليومية، بينما آخرون لديهم أساليبهم وطرقهم وأنماط حياتهم.
هل هناك مخطئ ومصيب في أسلوب المعيشة والقناعات الشخصية وحب الأمور المختلفة؟! والجواب بأنه لا يوجد شخص مصيب أو مخطئ، بل المخطئ تماماً هو الذي يتدخل في شؤون الآخرين ويحاول أن يفرض عليهم الأمور المقتنع بها هو، المخطئ من يرى بأنه هو الأساس (الستاندرد) فيما يفعله ويقوله ويمارسه، وأن من لا يفعل ما يفعله هو إنسان لا يفهم ولا يعرف كيف يعيش حياته.
لا تقتل المتعة يا مسلم، لا تمنح نفسك صلاحية مطلقة في ممارسة «الفلسفة» في حياة الناس، لا تفتح خصوصياتهم وتقلل من قدر اهتماماتهم وأسلوب معيشتهم، ولا تفرض رأيك بالقوة وتقول بأنك «الفاهم» وما خلافك هم «الجاهلون».
اتجاه معاكس
دخل علي مكتبي وقت الظهيرة وهو يجر «شحومه»، رمقته بنظرة جعلتني أدرك بأن وزنه في ازدياد. طبعاً سكت ولم أقل شيئاً لأنني مقتنع تماماً بأن التعليق على وزن أحد في معرض الكلام نوع من قلة اللباقة وضعف الكياسة.
لكن الأخ نظر لجانب مكتبي فرأى نوعاً من السلطات وأحد العصائر، فانطلق يكيل لي النصح بشأن أفضل الأطعمة والمشروبات الصحية! تفحصت أكثر بعيني، وخيل لي حينها بأن فيلاً برأس إنسان يكلمني، لم أعلق لكن قلت في قلبي «أستغفر الله وربي يطولك يا روح».
صدقوني لولا «فلسفة» بعض البشر وتطفلهم وفرضهم آرائهم على هيئة «نصائح»، لعاش جميعنا في سلام.