إن التطور الكبير الذي يشهده العالم من الناحية الرقمية والتكنولوجية أدى إلى ثورة تقنية حقيقية، فقد أصبحت التقنية من أساسيات الحياة خاصة في مجال التعليم كما بات التعايش معها ضرورة وحاجة ملحة لا غنى عنها. وأنتج هذا التطور جيلاً نشأ وتربى على هذه التقنيات وهم ما نسميهم بالمواطنين الرقميين، كما صاغها ذلك مارك (برينسكي) وهو خبير تقنية.

وكما للتكنولوجيا الرقمية جوانبها الإيجابية كذلك لها سلبياتها وهناك نماذج كثيرة لسوء الاستخدام والاستغلال المتعلق بالتكنولوجيا سواء كانت في البيت أو المدرسة أو المجتمع بشكل عام، وفي ضوء هذه الاستخدامات السيئة تبرز الحاجة إلى تحديد الممارسات الملائمة وغير الملائمة، ووضع مبادئ وأسس صريحة وواضحة عند استخدام هذه التقنيات الرقمية في التعليم خاصة وتعرف المواطنة الرقمية (بأنها الاستخدام المسؤول والأخلاقي والآمن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من جانب الطلاب كأعضاء في المجتمع ومواطنين في المجتمع العالمي).

إن نشر ثقافة المواطنة الرقمية أصبح ضرورة ملحة نتيجة لتزايد مستخدمي التقنية يوماً بعد يوم، ومن الضروري أن تراعي هذه المواطنة الرقمية في التعليم ثقافة مجتمعنا الملتزم بالأخلاق والقيم العربية الإسلامية خاصة أنها أصبحت من الأولويات. وبسبب هذا التحول الرقمي في كافة ميادين الحياة تزداد الحاجة لتعزيز المواطنة الرقمية السوية للطلاب في ظل انتشار سلوكيات غير ملائمة كالجرائم الإلكترونية بمختلف أنواعها مثل: انتشار المواقع الإباحية، جرائم التهديد والتحرش والابتزاز الإلكتروني، والتشهير الإلكتروني ويشمل السب والشتم، انتحال الشخصية، الاحتيال المالي، اختراق المواقع وسرقة البيانات، التطرف والإرهاب، الاستغلال الجنسي للقاصرين.

أن الدول الغربية التي أخذت بالتكنولوجيا الرقمية سبب لها ذلك كثيراً من النتائج السلبية على المتعلمين بسبب ثقافتهم التي تقوم على مبدأ الحرية المطلقة وكان نتاج ذلك أنحراف معظم أبنائهم وتقمصهم بكثير من السلوكيات الشاذة لذلك وجب علينا أن نأخذ حذرنا من ذلك وبالمقابل التعلم الرقمي التكنولوجي لا يعني أن نستنسخ المنهج التقليدي إلى منهج رقمي إلكتروني إنما وجب علينا الدمج التقني بين المنهجين بشكل يسمح للطالب أن يدخل على مواقع البحوث العلمية.

وبمعنى أوضح يجب أن نقوم بتشخيص الواقع وتحليل محتوى مناهج التعلم الحالية ونصدر أحكاماً واضحة، ثم نحدد الاحتياجات بناءً على أسس علمية وعليها نقوم ببناء مكونات المنهج في ضوء المواطنة الرقمية. إن دور تطوير المناهج كبير في غرس القيم بشكل عام والمبادئ السليمة في نفوس المتعلمين وترسيخ الثوابت والأخلاق. ولا يتحقق هذا بمجرد إضافة مقرر دراسي أو موضوع ضمن أحد المقررات، بل بتضمين قيم المواطنة الرقمية داخل المناهج المدمجة التقنية الأداء وجعلها إطاراً عاماً تقدم من خلاله المواقف التعليمية.

ومن أهم قيم المواطنة الرقمية: احترام المتعلم لنفسه وللآخرين، وكذلك حماية نفسه والآخرين من حوله، التعلم الذاتي والتواصل الجيد مع الآخرين. فحتى يحمي المتعلم نفسه والآخرين يجب أن يتعود على استخدام مهارات التفكير الناقد التي تحمي صاحبها من الانقياد الأعمى دون تدبر أو وعي، وأن يتدرب على تحليل المواقف وتقيمها تقييماً علمياً منطقياً، وأن يتمكن كذلك من مهارة الانتقاء الجيد بين البدائل، وأن يستوعب الحقوق والمسؤوليات الرقمية فمثلاً عندما يبتكر الطالب أو ينشر شيئاً يقوم بحفظ الحقوق، وفي المقابل عند استخدامه لأي شيء منشور يجب أن يحفظ حقوق الآخرين وذلك بالتوثيق وذكر المصدر.