يقول أبو العلاء المعري في بداية قصيدة له:

مشى الطاووس يوماً باختيال

فقلد مثل مشيته بنوه

فقال علام تختالون قالوا

بدأت به ونحن مقلدوه

فخالف مشيك المعوج واعدل

فإنك إن عدلت معدلوه

وينشأ ناشيء الفتيان منا

على ما كان عوده أبوه

وأمثال هذا الطاووس في حياتنا المعاصرة كثيرون، تراهم أناساً متعجرفين، متكبرين، يدّعون علم الأولين والآخرين وهم أجهل الناس وأحطهم.. إذا دخلوا المجالس تصدروها وأمسى الحضور يقبلونهم على رؤوسهم وجباههم ويطلبون من الله لهم الصحة والعافية، وإذا تكلموا في هذه المجالس فإن الجميع ينصتون باهتمام لما يقولونه مع أن أكثر حديثهم كلام فارغ لا يغني ولا يسمن من جوع.

وأمثال هذه الطواويس تصبح عبرة لمن اعتبر بعد أن يجور عليهم الزمن، وتتوزع ريشهم على الأهل والأصدقاء والأقارب.. لكن هذه الطواويس تصر على عنجهيتها ولا تطلب المساعدة من أحد فهي مصرة على أنها طواويس تبهج الآخرين وتدخل الفرح إلى قلوبهم.

ومن أمثلة هذه الطواويس التي ذكرها القرآن الكريم قارون الذي قال الله سبحانه وتعالى فيه: «إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين. وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين. قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون».

ومنهم فرعون الذي قال الله جل في علاه عنه: «إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين».

ومنهم هامان الذي كان مساعداً لفرعون في خططه أمام سيدنا موسى عليه السلام وشريكه في الأفكار وتنفيذها، وطلب فرعون منه أن يبني له بناءً يصعد عليه إلى السماوات ليرى هذا الإله الذي يدعو إليه موسى عليه السلام.

فهامان، وزير أعمال البناء، ومن حاشية فرعون، شهد على أحد إعجازات البناء الذي شهدها عصر الفراعنة، وذكرها القرآن الكريم، عن استخدام الطين المحروق «الآجُر»، «وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين».

فقد كذب فرعون وهامان، ومعهم قارون سيدَنا موسى حين أرسله الله إليهم، وأوضح ذلك آيات في سورة غافر: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ. إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّاب».

وقد ورد ذكر «هامان» ست مرات في القرآن الكريم، وتوعده الله سبحانه وتعالى، «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين»؟

وجاء هلاك هامان مع فرعون وجنوده، جزاءً لهم على طغيانهم، «إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ».