كانت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة العربية السعودية مؤخراً خلال قمة جدة التي انعقدت مطلع هذا الأسبوع تؤكد على مدى ثقل وحجم المملكة ودول الخليج والدول العربية الحاضرة للقمة، فبعد أن كان بايدن يهدد ويتوعد قبل وخلال حملته الانتخابية وترشحه للرئاسة بل وحتى بعد فوزه بأنه سيعزل السعودية وستكون منبوذة، لكننا رأيناه اليوم يزور تلك الدولة وإن طالت المدة بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة لكن في النهاية لابد وأن يعرف أهمية دول الخليج والدول العربية وما تربط بلاده من مصالح لا يمكن أن يتجاهلها وعليه أن لا يتهور أو يتسرع في التصريح والحكم على هذه العلاقة قبل أن يدخل البيت الأبيض، وهذا درس أيضاً لكل رئيس أمريكي قادم بأن يضع مصالح بلاده أولوية مع دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

زيارة بايدن اكتسبت زخماً واهتماماً دولياً واسع النطاق باعتبارها الأولى له منذ توليه الرئاسة ولقيت معارضة من الداخل وهي زيارة ضمن جولة طرح فيها بايدن رؤية واشنطن حيال المنطقة في ظل ما تعصف بها من صراعات وفي الوقت ذاته هي منطقة غنية بالموارد والطاقة ودليل ذلك توقيع اتفاقيات عديدة في مجال الطاقة والاستثمار، هذا يعني بأن أمريكا وسياساتها بل ومصالحها تحتم عليها أن عدم ترك منطقة الخليج الاستراتيجية والمهمة لها ولن تتخلى عنها وعن مصالح فيها، بالتالي فإن بايدن رضخ أخيراً بعد أن صبر أكثر من 500 يوم منذ وصوله للبيت البيضاوي بعد أن ترشح عن الحزب الديمقراطي المعروف بسياسته المعادية تجاه دول الخليج، على عكس سلفه الجمهوري دونالد ترامب الذي كانت تجمعه علاقة طيبة مع دول الخليج ورأينا زيارته للسعودية التي لقيت حفاوة وتفاعل وترحيب على المستويين الرسمي والشعبي حينها.

الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون هي العنوان العريض الذي تمحورت حوله هذه الزيارة والتي قال عنها الرئيس بايدن بأنها تحافظ على القيم الأمريكية الأساسية، ومن هذا المنطلق ارتأت ووعت الإدارة الأمريكية بأن المصالح هي التي تحكم في نهاية المطاف بين الدول، وهذه الزيارة هي رسالة مبطنة وواضحة بأن واشنطن لن تترك فراغاً في المنطقة لتملأه روسيا والصين وإيران، خصوصاً بعد التقارب السعودي والخليجي مع موسكو وبكين خلال العامين الأخيرين مع تغير السياسة الأمريكية تجاه دول الخليج وتصريحات بايدن وهجومه على السعودية خصوصاً بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في أسطنبول واتهام القيادة السعودية بذلك.

همسة

السياسة الأمريكية متقلبة ويحكمها بل ويتحكم بها الحزب الحاكم الذي يصل من خلال الرئيس لسدة الرئاسة، فنرى مثلاً في حال فوز رئيس جمهوري العلاقات المتميزة مع دول الخليج، فيما لو فاز مرشح الحزب الديمقراطي نراه يتخذ سياسات معادية تجاه دولنا، ولكن وإن كانت السياسة متغيرة وغير ثابتة إلا أن المصالح في النهاية هي التي تحكم هذه السياسات، ولنا في زيارة الرئيس بايدن مثالاً.