فاجأتنا في الآونة الأخيرة أنباء عن انتشار وباء جدري القردة وأخبار عن بدء تفشي العدوى، والخوض في إيجاد لقاح له، فهل يا ترى جدري القردة الإسطوانة الحديثة في ألبوم انتشار أو نشر الأوبئة؟
وباء جدري القردة هي الإسطوانة التي لم تكد تعقب سابقتها كورونا (كوفيد19)، بل تزامنت مع أعقابها، بإيقاعات متماثلة معها، في الوقت الذي للتّو تماثلت آذاننا للتعافي من صريرها، وكذلك لم يكد إدراكنا يستوعب هول ما سببه ما لا تراه العين المجردة، وأوقف العالم وأقعَده، وأعجَز أكبر القوى التي تحكمه.
فيما مضى كان هناك ألبومات أخرى مختلفة، تحتوي إسطواناتها على إيقاعات مغايرة أحدثت طنيناً في الآذان خلال عقود متفرقة، إما بإقراع طبول الحرب بعد إشعال فتيلها، أوصَرِيفُ جرس إنذار التأهب لها والتحذير منها.
وعلى كل إيقاع يسود المشهد، ويشغل الأذهان كيفية التّصدي للوباء والحدّ من انتشاره، وتعطل الحياة وتعرقل دواليب الاقتصاد، فماهو الحل؟ إيجاد التلقيح للتحصّن من الوباء! وهنا بيت القصيد.
إنّ الإقرار بهذا الحل بأنه الأوحد أو الأمثل، وإقناع الرأي العام العالمي به يعني إتاحة التنافس، والتّسليم الجماعي بما يتمخض عنه، واعتماده بقطع النظر عن مدى فاعليته.
فمن هم المتنافسون؟ وهل المنافسة مفتوحة أو فيها على الأقل تمثيل للجميع ممن يستهلكون أو ينتفعون بما سيشترون؟ أولئِكَ من هم قطعاً لحفظ حياتهم سينفقون؟
المتنافسون هم، التحالف الألماني الأمريكي للتكنولوجيا الحيوية بيونتيك وفايزر، وكانوا من افتتح السباق في أوائل نوفمبر إثر اجتياح وباء كورونا، معلنين عن بالإعلان عن نجاح فعالية إنتاجهم بنسبة 90 بالمئة.
فدخل الروس على الخط، من معهد جمالايا «المسمى سبوتنيك 5»، مزايدين على بيونتيك وفايزر بالإعلان عن فعالية لقاحهم بنسبة تصل إلى 92 بالمئة. على إثرها جاءت الشركة الأمريكية مودرنا من بعدهما لتعلن عن نسبتها التي وصلت إلى 94.5 بالمئة، إلى 94.5 بالمئة، ثم عاد مؤخراً تحالف بيونيك وفايزر ليعلن عن نتيجتها النهائية التي وصلت إلى 95 بالمئة.
ثمّ التحق بركب السّباق المشروع الأوروبي الذي تقوده جامعة أكسفورد مع شركة أسترازينيكا البريطانية وكذلك مشروع المختبر الصيني «سينوفارم».
ولم يَعنَ جميعهم بتحديد مدة المناعة التي توفرها هذه اللقاحات، أو إثبات عمومية فعاليتها على جميع الحالات والفئات أو إقصاء أية آثار جانبية خطيرة؟
وذلك بالإضافة إلى عدم العمل والتركيز على تغيير وتوجيه النظام الغذائي وكذلك عدم العمل وبذل الجهد لتغيير وتعديل طبيعة السلوك البشري. حيث تشير العديد من الأبحاث إلى وجود علاقة بين النظام الغذائي وانتشار جائحة كورونا، فمن بين التوصيات الوقائية الواردة عنها طهي كل المنتجات الحيوانية بشكل جيّد قبل أكلها.
كما أثبتت العديد من الأبحاث المتعلقة بجدري القرود، أن انتشار هذا المرض يعود إلى انحرافات سلوكية، على رأسها المثلية، حيث تم رصد نسبة ملحوظة في أوساط المثليين وثنائيي الجنس.
وهذا الشأن لم يحظَ توعوياً، بأهمية سلامة النظام الغذائي أو استقامة السلوك الحياتي، بعشُر التّعبئة الإعلامية وحشد الرأي بالنسبة لتقديم وتعميم اللّقاح مع كل وباء ضمن أجندة سباق إنتاج اللقاح، أو امتلاك السلاح مع كل صراع ضمن أجندة سباق التسلح.
أين نحن من هذا؟ نحن وبقية دول العالم كلّنا أسواق استهلاكية بأرباح طائلة، رهانات مالية هائلة، ضمن قائمة أعمال هؤلاء المنتجين، في مختلف المواسم وعلى مدى السّنين.
في الحقيقة أجدني أعجز عن التمييز بين سباق التطعيم وسباق التسلح طالما الأطراف المنخرطة في سباقين مختلفين تماماً هي ذات الأطراف المتصدرة في الاقتصاد العالمي بل والمتحكمة فيه وفي تحريك دواليبه.
فبين إطلاق سباق التسلح وإشعال فتيل الحرب لحصد الأرباح، هناك أرواح بالآلاف تسقط، وكذلك الحال، على نفس المنوال وبنفس المضمار، إطلاق سباق إنتاج التلقيح وانتشار الوباء، والاستئثار ببيع التطعيم ضده على أنّه وحده العلاج والدواء.