أخطر ما يواجه خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في دول العالم الثالث ويعرقل مسيرتها الحضارية في عصر التنافسية والذكاء الاصطناعي والتقنية والتكنولوجيا الذي نعيش فيه الآن، هو المرض الاجتماعي الذي يطلق عليه «المحاصصة»، الذي يبعدنا عن معايير الأمانة والإخلاص ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وإقصاء الكفاءات الوطنية والمبدعين والمبتكرين، ونخسر ما يملكون من أفكار إبداعية ونجعلهم على الهامش ويكون أمامهم إمّا تقبل الواقع أو الهجرة للدول التي تقدّر ما يوجد عندهم من مواهب، ونستبدلها بمعايير أخرى مستندة إلى الانتماء للأحزاب السياسية المتهالكة والجماعات الدينية الطائفية والمذهبية التي تكاد أن تخطف مؤسسات المجتمع المدني، وهذا ما يعرّض الدولة للانهيار ويهدّد المجتمعات بالانقسام المفضي إلى التنازع والإفلاس.

ما إن يتم تعيين مسؤول، سواء أكان مديراً أو وكيلاً أو حتى وزيراً، في مركز أو موقع معيّن، إلا وبعد أيام يتفشى فيروس المحاصصة وترى وجوهاً جديدة تمسك بزمام القرار في هذا الموقع، وهذا ما يسبب إيجاد مشاكل كثيرة. لنأخذ العبرة والعظة من بعض الدول العربية التي دخلت في نفق المحاصصة القبلية والطائفية والسياسية، وماذا حدث فيها من تأخير قضاء مصالح الناس وحاجاتهم. وما يدل على ذلك ما حدث ويحدث في العراق ولبنان التي بُنيت على أساس طائفي ومذهبي، ومازال المجتمع اللبناني يعاني من هذا الانقسام الحاد الذي أنتج نظاماً اجتماعياً وسياسياً يقوم على مبدأ المحاصصة الذي عطّل حاجات الناس الأساسية من كهرباء وماء، الذي جرى الاعتراف به وشرعنته بالدستور والقوانين وتم تقاسم المناصب الكبيرة على أساسه، وتريد كل فئة زيادة قوتها والحفاظ على مكاسبها وزيادة نفوذها، كذلك نفس الوضع في العراق.

وبالمقابل، لنأخذ نوعاً آخر من العبرة من بعض الدول مثل الولايات المتحدة التي هي أكثر تنوعاً وتعدديةً من حيث الأديان والمذاهب، ومن حيث الأصول والأعراق، ومنذ ذلك أدركوا خطورة الانزلاق نحو منهج المحاصصة، وتوجهوا نحو خلق المجتمع الأمريكي الواحد والأمة الأمريكية الواحدة، وتمت معالجة مظاهر التعصّب بشكل متدرّج، واستطاعوا أن يصنعوا قوةً مجتمعية موحّدة وصلت إلى مرتبة القوة الأولى على مستوى العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وعلميّاً.

لماذا طالبت «جمعية الوفاق المنحلّة» في يوم ما بنظام المحاصصة حتى في المراكز الحيوية غير أنها أرادت أن تجعل لها منفذاً شيطانياً لشقّ الصفّ الوطني والوصول إلى مآربها، ولكن لم يتحقّق لها ما تريد وعادت مملكة البحرين أقوى مما كانت عليه بعد أحداث 14-2-2011 بفضل قيادتها الحكيمة الرشيدة وشعبها الواعي الوفيّ، وحفظ الله مملكة البحرين ملكاً وحكومة وشعباً من كل مكروه.