حينما تحاكم شخصاً تجاوز القانون فإنك تفعل الشيء الصحيح، لكنك حينما تتغاضى عن آخر قام بفعل أشنع من الأول، فإنك بالتالي تضرب القانون في مقتل، بل تحوّل الحالة الأولى إلى تطبيق انتقائي متحامل، وهذا من شأنه تأجيج المشاعر المتضادة لدى الشارع.

المشكلة لا تكمن في التوصيف وصياغة اللوائح ووضع القوانين والتوافق عليها، بل المشكلة تتمثل في التطبيق حينما يكون هناك تمايز وعدم مساواة بين البشر، فهذا يحاكم وذاك لا، هذا يخرق القانون خرقاً بسيطاً فيمثل أمام القضاء بسرعة ووسط جلبة وذاك يتجاوز بكل قصد وتعمّد فلا تتم مساءلته حتى!

هنا تعمل الدولة على الإضرار بأمنها واستقرارها بنفسها، إذ يخلص كثير من الباحثين في علاقة التطرّف الديني والسياسة إلى نتيجة هامة تتمثل بأن تصاعد وتيرة أعمال الجمعيات الراديكالية ومنتهجي العنف في أي مجتمع كان يعود إلى عدم تطبيق القانون أو أقلها تطبيقه بطريقة غير شاملة للكل وبناء التطبيق على اعتبارات لأمور لا موقع لها في الإعراب في القوانين المنظمة للدولة المدنية.

بالتالي وضعت القوانين في الدول حتى لا تتحول المجتمعات إلى غابات يسود فيها القوي على الضعيف. وضعت هذه القوانين حتى تنظم الحياة المدنية وكي تضمن الحقوق فلا يضطر أحد لأخذ حقه بيده وبأسلوبه وبطريقته. بل المرجعية في تنظيم المجتمع تكون لحكم القانون بحيث يتساوى الجميع أمامه ولا فرق بينهم ولا حظوة لأحد على الناس.

في الدول التي تحتضن جماعات دينية متباينة، تتحمل هذه الدول مسؤولية تحويل بعض الشخصيات إلى «رموز» توضع في مرتبة لا تتساوى مع البشر، بحيث لا يتم التعامل معهم على أساس أنهم مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، وهنا الخطر حينما لا يتم تطبيق القانون عليهم بنفس آلية التطبيق على الفرد العادي، وكأن هذا الشخص بسبب صفته الدينية «معصوم» عن المحاسبة.

حالة «القدسية» هذه تتعاظم في ظل وجود مريدين وأتباع، وهؤلاء تترسّخ في أذهانهم أول ردة فعل تجاه أي تجاوز يقوم به الشخص الذي يعظمونه، فإن كان التعاطي متساهلاً فالمرات القادمة بالضرورة ستشهد «استنهاضاً» لتحويل هذا الشخص إلى إنسان لا يجب تطبيق القانون عليه حتى وإن ارتكب من الجرائم ما يعاقب عليه القانون بأغلظ العقوبات.

في تشخيص بعض الباحثين لهذه الأوضاع يؤكدون بأن الدول التي تعاني من ظاهرة «تقديس» الأشخاص وتحويلهم إلى «رموز» لا يجب المساس بهم مهما فعلوا، هذه الدول إما أن تقبل بشكلها الضعيف أو يتوجب عليها تغيير هذا الواقع، وتُثبت بالتالي أنها بالفعل دولة مدنية تطبّق القانون المدني الذي يحفظ الحق العام والخاص، بحيث من يتجاوز القانون أياً كان يمثل أمامه ويحاكم بناء عليه.