الرأي

نحن وأوكرانيا وأمريكا

أبدت دولُ مجلس التعاون موقفاً حيادياً تجاه الأزمة الأوكرانية منذ البداية، هذا بعد كل ما فعلته البروبغندا الغربية الإعلامية لتحشيد العالم ضد روسيا، الموقف الخليجي واحد من التحولات السياسية التي نشهدها في هذه المرحلة في منطقتنا العربية.

ثم امتنعت دولة الإمارات عن التصويت عن إدانة روسيا في مجلس الأمن، وهي ممثلة عن دول المنطقة والمجموعة العربية ليكون الموقفُ أكثرَ وضوحاً بعدم اتخاذ موقف منحاز، والأهم بعدم الانصياع للرغبات الأمريكية. هذا التحول لم يأت من فراغ.

هذا الموقف ليس الأولَ، ولن يكون الأخيرَ الذي يوضح مدى المسافة التي ابتعدت بها دول المنطقة عن بعض المصالح الأمريكية -غير المشتركة- إن صح التعبير، فلن يكون هناك ذلك التحالفُ الوثيق المرتبط بكل الملفات كما كان العهد سابقاً حين حشدت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفاً دولياً لتحرير الكويت، واليومَ تسحب منظومتها الدفاعية، وترفض أن تسمي الحوثي إرهابياً، شتان بين الأمريكتين.

فإذا أضفنا التقاربَ الروسي والصيني مع دول المنطقة، وتشابكَ التحالفات في العديد من الملفات خاصة الاقتصادية، وكذلك صفقات السلاح التي تجاوزت فيها دول المنطقة الفيتو الأمريكي فإن إستراتيجية الانكفاء الأمريكي والانسحاب من المنطقة لن تكون من طرف واحد!

فلا تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أن الاتصالات التي أجرتها مؤخراً مع المملكة العربية السعودية كافية أو حتى التصريحات المشددة اللهجة تجاه الحوثي يمكن أن تحدث فارقاً في تقييم المواقف الأمريكية والإدارة مازالت تراوح في مرحلة التفكير بتصنيف الحوثي منظمة إرهابية! في حين أنها مقبلة على توقيع الاتفاق النووي مع إيران دون قيد أو شرط، ودون الأخذ في الاعتبارات مخاوف المنطقة ومهدداتها.

هذا الغزل اللفظي الذي اعتقدت الإدارة الأمريكية أنه كافٍ (كتنازل) من أجل إقناع السعودية بزيادة الإنتاج، وتخفيض أسعار النفط، أو من أجل الوقوف مع المصالح الأمريكية في الأزمة الأوكرانية لن يجديَ نفعاً، وتلك الاستهانة بمقدرات دول المنطقة حلم لا بدَّ من أن تصحوَ وتعيدَ النظرَ فيه.

فهنا يتشكل نظام عالمي جديد على كوكب الأرض وخارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية، فلا تعتقد الإدارة الأمريكية أن انسحابها وانكفاءَها الأمني سيُبقي على مصالحها السياسية أو حتى الاقتصادية كما كانت، هذه المعادلة الساذجة التي يتبناها اليسار لا توجد إلا في عقلياتهم.

لسنا وحدنا فقط من تغيرت مواقفه؛ فجميع حلفاء أمريكا بما فيها الدول الأوروبية لا يتعاملون معها الآن كقيادة عالمية. انتهى هذا الدور، وانتهاؤُه يعود للخيار الإستراتيجي الذي اتخذته، واعتقدتْ أنها بتخفيف أحمالها ومسؤوليتها ستبقى مصالحها كما هي دون تغيير.

يبقى علينا أن نعيَ الدرس الأوكراني جيداً، فقد تم تجييشها وتشجيعها وحثها على تحدي المصالح الروسية، وحشدت البروبغندا الأمريكية ضد روسيا بشكل يستخف بالعقول ويعتقد أن العالم على ما كان عليه في التسعينات حين حشدت العالم ضد العراق بدعوى أسلحة الدمار الشامل، لقد استوعبنا نحن الدرس جيداً، إنما يبدو أن أوكرانيا حديثة العهد بالمصداقية الأمريكية!