الرأي

خطر الإشاعة

خلال أسبوع واحد فقط انتشرت ثلاثُ معلومات خطيرة لكنها من دون مصدر في وسائل التواصل الاجتماعي «هذا ما رصدتُه بجولة سريعة»، وربما هناك أكثر من هذا الرقم، وجميعها معلومات من شأنها أن تجيّش الرأي العام وتتسبّب بالبلبلة، وبعضُها اتهامات بسرقات، ويبدو أن الفترة القادمة الممهِّدة لمرحلة ما قبل الانتخابات ستشهد المزيد من تلك النوعية من الأخبار!

إذ أصبحت عملية إلقاء التُهم أو بثّ الأخبار دون تدقيق وتناقلها عمليةً سهلةً جداً في البحرين لدرجة أنْ دَخَلَ معتركَها شخصياتٌ محسوبة على تيارات سياسية وصحافيون وحسابات تواصل مشهورة بل وفنانون! وجميعهم تناقلوا معلومات لم تثبُت صحتُها ولم تُذكر مصادرُها، قاموا بنشرها أو ذكرها والتعليق عليها على أساس أن ما يقومون به هو «حرّية تعبير»!!

الفوضى ليست في الشوارع فقط، الفوضى ليست في الحرق والتخريب المادي فقط، بل الفوضى هي أن تتركَ أيَّ نشاط بشري دون ضوابط سواء كان تجمّعاً في الشارع أو كان تعبيراً، خاصة إذا كان هذا النشاط البشري يجري على نطاق سريع الحركة والانتشار كما هي وسائل التواصل الاجتماعي.

في المملكة العربية السعودية وفي الإمارات العربية المتحدة وَجَدَتْ الدولة أن هناك مسْرَحاً مهيّأً لمن أراد الإضرار بأمنها من خلال نشر «الفوضى»، وأن هناك مَن يُعِدُّ العُدّة للدخول إلى هذا المسرح المهيَّأ لأغراض وأجندات خطيرة، وأن هناك مئات الآلاف من المتلقّين الذين يساهمون بوعي أو بدونه في إلحاق الضرر، فاستعدّتْ له من خلال تعديل أجرته على المنظومة التشريعية ومن خلال التواجد الدائم على هذا المسرح وعدم تركه فارغاً يُعبث به دون رادع ودون تصحيح.

فطالبتْ النيابة العامة في المملكة العربية السعودية باستقاء المعلومة من مصدرها الرسمي كمطلب وطني يُرسّخ التوعية المجتمعية ويُعزز الأمن المعلوماتي، وأكدت على المتلقّي ألا يكون شريكاً في إشاعة الأخبار مجهولة المصدر الماسّة بالنظام العام عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي من شأنها تصعيد مستوى الهلع لدى المجتمع، نأياً بالنفس عن المُساءلة الجزائية.

وحذَّرت من إنتاج الإشاعات والتي من شأنها المساس بالنظام العام، سواء إعدادها أو إرسالها عن طريق الشبكة العنكبوتية يُعدُّ جريمةً يُعاقب مرتكبها بالسَجن مدة خمس سنوات وبغرامة تصل إلى 3 ملايين ريال. (صحف سعودية)

وفي الإمارات..

طبقاً للمادة 52 مِن المرسوم بقانون المذكور آنفاً، يُعاقب بالحبس مدّة لا تقل عن سنة، والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف درهم، كلُّ من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية المعلومات لإذاعة أو نشر أو إعادة نشر أو تداول أو إعادة تداول، أخبار أو بيانات زائفة أو تقارير أو إشاعات كاذبة أو مُغرضة أو مضلّلة أو مغلوطة، أو تُخالف ما أُعلن عنه رسمياً، أو بثّ دعايات مثيرة تؤلّب الرأي العام أو تثيره أو تكدّر الأمن العام أو تُلقي الرعب بين الناس أو تُلحق الضرر بالمصلحة العامة أو بالاقتصاد الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة.

وتكون العقوبة الحبس مدّة لا تقل عن سنتين، والغرامة التي لا تقل عن 200 ألف درهم، إذا ترتب على أيٍّ من الأفعال المذكورة، تأليبُ الرأي العام أو إثارته ضد إحدى سلطات الدولة أو مؤسساتها، أو إذا ارتبط بزمن الأوبئة والأزمات والطوارئ أو الكوارث.

ويأتي نشر هذه المعلومات في إطار حملة النيابة العامة للدولة المستمرة، لتعزيز الثقافة القانونية في المجتمع، ونشر جميع التشريعات المستحدثة والمحدّثة في الدولة، ورفع مستوى وعي الجمهور بالقانون، بهدف نشر ثقافة القانون أسلوب حياة. (صحف إماراتية)

في البحرين..

وبناءً على توصية من «بسيوني» -وضَعْ خطيّن هنا- تم تعديل المادة 168 مِن قانون العقوبات الخاصّة بنشر الأخبار وتداولها، ألا يُعاقب من نشرها إلا بعد وقوع الضرر وعلى النيابة أو المدّعي أن يثبتا في هذه الحالة ارتباط هذا الضرر بتلك المعلومة، وإلا لن يؤثم أو يُعاقب صاحبها، أي أنّ علينا أن ننتظر وقوع الضرر ومن ثم يحقُّ لنا أن نتحرّك!! هكذا أوصانا بسيوني!

«يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تتجاوز مائتي دينار أو إحدى هاتين العقوبتين من أذاع عمداً أخباراً كاذبة مع علمه بأنها من الممكن أن تُحدث ضرراً بالأمن الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة، متى ترتب على ذلك حدوثُ الضرر».

تماماً مثلما تُشاهد أحداً يصنع قنبلةً ولا يحقّ لك منعه، إلى أن تنفجر القنبلة، ومِن ثم يحقّ لك القبض عليه ومحاسبته!!

قارنوا بين العقوبة في دولنا الثلاث وقارنوا بين استشعار الخطر عندهم وعندنا.

أَعَلِمْتُم لمَ أرضُنا مُستباحة؟!! هل ترون أيَّ مؤشر هنا للفوضى الخلّاقة بلَبوسها الجديد؟

أتركُ لكم حرّية التفكير والاستنتاج.