الرأي

نحن وفرنسا متفقان

عقد يوم أمس السبت في باريس «منتدى للإسلام في فرنسا» يضم أطرافاً فاعلين اختارتهم السلطات العامة في خطوة ترمي من خلالها الحكومة إلى ضمان تمثيل أكثر شرعية وفاعلية لثاني أكبر ديانة في البلاد.

وسيشكل هذا المنتدى الحواري غير المسبوق من حيث الشكل، مناسبةً لطيّ صفحة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، المحاور الرسمي للدولة منذ العام 2003 والذي واجه أزمة كبيرة «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويحاول ماكرون أن يجد حلاً لمشكلة استعصى حلها على العديد من الرؤساء السابقين وهي محاولة (فرْنَسة)، إن صح التعبير، الجماعات الإسلامية في وطنها، أي جعلهم مستقلين عن تأثير دول أجنبية كتركيا أو الجزائر أو المغرب أو إيران، ومحاولة إقناعهم بالانخراط والاندماج والانصهار في دول اكتسبوا جنسياتها، ويتمتعون بكافة حقوق المواطنة فيها. لكنهم يصرون على الانفصال عن الأنظمة والقوانين، ويصرون على أنَّ لهم خصوصية تحكمهم يترتب عليها عدم الانصياع لقوانين الدولة.

لهذا فإن ماكرون وجد أن البداية تكون بعزل القيادات الانفصالية وإيجاد بديل مقبول من الجماعات الإسلامية، لكنها قيادات مؤمنة بالدولة وبالانتماء إليها، ومن المفارقة أن المشكلة الفرنسية هي ذات المشكلة التي تعاني منها الدول العربية، ومنها البحرين مع ذات الجماعات بشقيها السني والشيعي، حيث تصر جماعات التيار الإسلامي بشقيه على أن يكونوا دولة داخل دولة، وأن يتنازعوا على السلطات مع الأنظمة القائمة.

ولعقود مضت كانت أوروبا تدعم هذه الجماعات أي جماعات التيار الإسلامي السياسي باعتبارها الخط المعتدل الذي يمكن أن يتصدى للأنظمة السياسية العربية (المستبدة) من وجهة نظر أوروبا وخاصة جماعة اليسار الاشتراكي منها.

فآوت أوروبا الكثير من قيادات تلك الجماعات، ومنحتهم المنصات التي ينطلقون منها لزعزعة الأمن والاستقرار في الدول العربية والإسلامية باعتبار تلك الجماعات هي الممثل الأنسب لتلك الشعوب بدلاً من الأنظمة العربية القائمة.

واليوم اكتشفت فرنسا أنّ السهم ارتدَّ عليها، وأنّ تلك التيارات تسعى للانفصال عن «الدولة» أينما وجدت وليس في عقر دارها فحسب، أي ليس في الدول العربية فقط، بل تسعى للانفصال حتى عمَّن آواها، ومنحها الفرصة للعيش، ومنحها الحقوق، ومنحها كافة ما كانت تطالب به في بلادها، فإذ بفرنسا تكتشف أن المسألة ليست مطالبة بحقوق بل هي مطالبة «بدولة» وهكذا هم يطالبون الآن من داخل فرنسا، دولة داخل دولة، لهم قوانينهم ولهم تشريعاتهم ولهم نظامهم وقياداتهم.

أتدرون ما هي أكبر العقبات التي تواجه هذه المحاولة الماكرونية التي نتمنى لها النجاح؟

القوانين الفرنسية هي أكبر العوائق، فهي قوانين وضعت للتعامل مع الحقوق الفردية وحرياتها، ولم يخطر في بال من سنها ووضعها أن تصل تلك الحريات إلى أن تشكل خطراً على الأمن والسلامة الوطنية، فتلك كانت خطوطاً واضحة حينذاك والدولة تأسست، وليس هناك من يفكر مجرد التفكير في أن يكون على أرضها يتمتع بكافة حقوقه وينتمي إلى غيرها، إلى أن وصلتهم حمّى التيارات الانفصالية فوقفوا حائرين أمامها.

في المنتدى الذي عقد بالأمس «كانوا يناقشون تطبيق قانون مكافحة «النزعة الانفصالية» الذي أقر في الصيف، خصوصاً في ما يتعلق بالشفافية المطلوبة من الهيئات التي تتولى إدارة المساجد.

واقترحت المجموعة الأخيرة «إعداد هيكلية» ترمي إلى حماية دور العبادة من الممارسات المناهضة للمسلمين.

لكن لم يتم التوصل إلى أي هيكلية محددة في ما يتعلق بالتمويل الذي يعد لب الموضوع». صحيفة الشرق الأوسط.

فالحريات التي منحت للأفراد والمؤسسات ومنها تلقي التمويل من الخارج لم يدرْ في خلدها حين شرّعت وقنّنت أن يوظف هذا التمويل لسلخ الانتماء الوطني، لكنه اليوم هو أحد أهم أدوات الانفصال.

خلاصة القول، ما نكافح من أجله في البحرين وفي مصر وفي تونس والمغرب وفي العديد من الدول العربية هو ذاته ما تكافح من أجله فرنسا التي نقف معها وهو أن يقف الجميع تحت راية الوطن ويلتزم بدستوره، وأنه لا حقوق وامتيازات مستحقة دون واجب يؤدَّى لهذه الراية ولذلك الدستور الوطني.