الرأي

'الليك' الخفي

جفاني النوم ليلة البارحة بعد أن استمعت لقصة ثلاثة من الشباب البحريني اثنان منهم تركا سوق العمل والثالث مهدد بين لحظة وأخرى لتركه، وهم من الصفوف القيادية الثانية في المؤسسات بعضها حكومي وبعضها خاص، وتساءلت هل هي مشكلة عامة؟ أم أنها فردية؟ فقد استمعت في فترات سابقة إلى قصص أخرى مشابهة تخص هذه الشريحة في سوق العمل في الآونة الأخيرة، مما يدق جرس الإنذار لدى أي مراقب، فنحن لا نتحدث عن حديثي التخرج أو باحثين عن عمل، نحن نتحدث عن صف تعبت الدولة حتى أوصلته إلى هذه المرحلة.

وحين نجهد ونتعب ونتفاخر بنجاحنا في توظيف البحرينيين وأعدادهم التي تتجاوز العشرين ألفاً في السنة علينا أن ننتبه إلى أن هذا الجهد لا يذهب هباء منثوراً في حال وجود تسرب في الحديقة الخلفية لسوق العمل، خاصة أن من تسرب كلف الدولة الكثير وتعويضه ليس بالسهل.

حقيقة لا نعرف حجم هذه المشكلة لكنها موجودة وهي غاية في الخطورة على اقتصادنا وأمننا كخطورة تسريب المياه على أموالنا وأساس بيتنا، وأهم ما في الموضوع أنها ليست على جدول الأعمال، بمعنى أننا لا نضع هذا التسرب ضمن خسائرنا التي تستوجب خطة لمنعها أو التصدي لها ومحاولة إيجاد المخارج التي تمنع جلوس هذه الخبرات في البيت أو عملها خارج البحرين.

حين نرى فاتورة الماء مرتفعة جداً فجأة وعلى غير عادتها أول ما يخطر على بالنا أن هناك «ليك» أي تسرب في موقع ما في أنابيب المنزل، فنبدأ بعملية الاستقصاء فوراً لوقفه لأنه هدر وضياع مال وضياع مورد وطاقة ويشكل خطورة في كثير من الأحيان على أساسيات المنزل.

كذلك هو تسرب القيادات البحرينية من الصفوف الثانية من مناصبها وخروجها من سوق العمل لأسباب «قهرية»!!

هل توجد لدينا إدارة أو لجنة أو جهة ما متفرغة لرصد ومتابعة هذا الهدر؟ وزارة العمل تتحرك إذا أعلنت مؤسسة ما عن فصل جماعي يحدث فجأة وبدفعة واحدة، لكن يبدو أن العديد من المؤسسات فطنت إلى هذا المأزق فبدأت تغير آلية الفصل، بدأت تدفع من تريد التخلص منه إلى الهاوية بالضغط عليه بتهميشه بإهانته في كثير من الأحيان، وتقوم بالتخلص على دفعات صغيرة لا تلفت الأنظار وفي فترات متباعدة نوعاً ما حتى لا تثير الضوضاء من حولها.

هل هناك جهات ترصد هذا التسرب؟ هل هناك جهات ترصد الحراك في هذه المؤسسات ونسبة الأجانب سابقاً والأجانب حالياً؟

إذ إن أهم ما في الموضوع أن دفع البحرينيين القياديين للخروج من السوق ليس دائماً لقلة كفاءتهم أو لعدم الحاجة لوظائفهم، في أحايين كثيرة هناك رغبة في توظيف غيرهم لأسباب لا علاقة لها بالكفاءة والمهارات، من لهؤلاء؟ أين ممكن أن تذهب شكواهم؟ مجالس إدارة نائمة، والبحرينيون الذين ارتقوا إلى مناصب قيادية وراكموا الخبرات وطوروا المهارات وتولوا المهام وأضافوا لها واجتهدوا فيها وتقاريرهم ممتازة وقياس أدائهم أيضاً ممتاز يعدون حساب ادخار لأي دولة، رصيد متراكم من الثروة التي تجمعت على مدار عقدين من الزمن، اثنتا عشرة سنة تعليم عام ومثلهم خبرة في سوق العمل، صرفت عليهم الدولة حتى تخرجوا وصرفت عليهم الدولة كي يتدربوا ويتعلموا تعليماً عالياً.

هؤلاء ليس لهم سنوات تقاعدية تمكنهم من أداء التزاماتهم وعليهم التزامات كثيرة فهم في هذا العمر «نهاية الثلاثينات» لديهم عوائل صغيرة والتزامات بنكية للتو بدأ في سدادها، وتلك قصة أخرى الخسائر فيها شخصية، فليس هناك أمن وظيفي ولا ضمان اجتماعي، إنما همنا الآن هو خسارة الدولة التي تتسرب من تحت يدها دون أن يلحظها أحد، إنه «الليك» المخفي.

ملاحظتان

1- دول الخليج تتلقف هذه الثمار الناضجة الجاهزة وتمنحهم التقدير والتقييم الذي يستحقونه بناء على مهاراتهم وكفاءاتهم وخبراتهم وتستفيد منها.

2- ليس بالضرورة أن القيادات الجديدة التي تعد وتؤهل حالياً لتولي المناصب بأفضل من الموجود، هذا حكم جائر، كما أنه ليس من الشطارة أن تهدر الثروات الموجودة في حسابك لمجرد أنك فتحت حساباً جديداً.

أخيراً

افتحوا خطاً ساخناً، أو اعلنوا عن استعدادكم لتلقي معلومات من تنطبق عليهم هذه المشكلة، رؤساء أو مدراء أقسام تقاريرهم التقييمية ممتازة غادروا سوق العمل نتيجة ضغوط مصطنعة أو مهددين بمغادرته في أي لحظة، حتى لا تكون قراءتكم للمقال للتسلية فقط.