الرأي

جبر الخواطر عبادة وكسرها جريمة

«جبر الخواطر» عبادة يتقرب بها العباد إلى الله سبحانه وتعالى، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يكون اسماً من أسمائه «الجبار»، أي من يجبر بخاطر عباده، وليس عن قوة وتجبر كما يظن البعض فـ«جبر الخواطر على الله» لأن الله يجبر خواطرنا ويرضينا حتى عندما يجعل أحد العباد سبباً في هذا الجبر، ويكون الرضا عظيماً لو كان بعد صبر؛ فالألم بعد كسر الخاطر عظيم، ويكون أعظم أثراً عندما يأتي من أقرب الناس إليك.

إننا نعتقد أننا نعبر مجازاً بعبارة «قلبي وجعني» التي نستخدمها تعبيراً عن الألم الذي يجيش في صدرنا نتاج هذا الخذلان، وقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن هذا التعبير ليس مجازياً وإنما حقيقة علمية، وقد اكتشف العلماء أن السر وراء وفاة بعض الأشخاص كان بسبب الحزن. وقد أكد علماء في جامعة إمبريل بلندن أن أحداث الحياة المجهدة والأليمة أحياناً تزيد من مستويات جزأين في خلايا القلب يلعبان دوراً مهماً في تطور «متلازمة القلب المنكسر».

ومتلازمة القلب المنكسر حالة قلبية مؤقتة غالباً ما تنتج بعد المواقف المسببة للتوتر والشعور بالحزن، ووفق الدراسة المنشورة في مجلة «Cardiovascular Research»، فإن العلماء ربطوا الآن هذه المتلازمة بجزيئات في القلب مرتبطة بالاكتئاب والقلق والتوتر، ما يشير إلى أن الضائقة طويلة المدى التي تليها صدمة عاطفية، يمكن أن تؤدي إلى حدوث متلازمة القلب المنكسر، وغالباً ما تشبه أعراض هذه المتلازمة أعراض النوبة القلبية، وتسبب آلاماً في الصدر وضيقاً في التنفس، ويمكن أن تؤدي إلى توقف القلب عن النبض.

لذا جبر الخواطر من أهم الأشياء التي يجب أن نحرص عليها في معاملاتنا اليومية، فلنكن سبباً في رفع معنويات من نتعامل معهم، وذلك قد يكون بالنصيحة أو الابتسامة أو تلبية طلب بسيط بالتهادي، فمثلاً عندما يعد لك العامل مشروبك الصباحي في العمل ويأتي لوضعه على مكتبك ابتسم في وجه واشكره، عندما تقابل بائعاً مجاهداً اشترِ منه من باب جبر الخواطر، شد من عزم زميل العمل عندما يكثر عليه العمل أو تشتد عليه الأزمات، عندما تحتضن ابنك فهذا جبر خاطر وعندما يتهادى أفراد الأسرة في المناسبات فهذا جبر خاطر، وعند تلبية دعوة لشخص أقل منك اجتماعياً.

إن جبر الخواطر أحد العبادات المهمة، وقد أوضح الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- للدكتور حسام موافي عندما زاره للكشف عليه في أثناء مرضه، وإجابة لسؤال الدكتور موافي عن أفضل عمل للتقرب إلى الله، فأخبره شيخنا أنه «جبر الخواطر».

تعجب الدكتور وقال له وما دليلك على هذا يا مولانا؟ قال له الشيخ: الله عز وجل في قوله تعالى «أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيم وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُون الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُون وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُون»، أرأيت الذي يُكذب بالدين؟! أترى عمل الذي يكذب بالدين؟ فذلك الذي يدُع اليتيم «أي يكسر خاطر اليتيم»، ولا يحُض على طعام المسكين، يعني يطرد المساكين ولا يجبر خاطرهم! ثم أتى قوله «فويل للمصلين» ليؤكد أن جبر الخواطر جاء مرتين قبل الصلاة.

أما كسر الخاطر فقد يراه البعض شيئاً بسيطاً، لكنه قد يغير حياة شخص بشكل كلي ويدمرها، فطوبى لمن يمشي في الأرض ويجعله الله سبباً في جبر الخواطر.