الرأي

التوقف مؤقتاً عن الكتابة

الكتابة، ككل الأنشطة التي نمارسها في حياتنا، تحتاج أحياناً أن ننقطع عنها لبرهة من الزمن. أن نتوقف قليلاً عن مسك القلم أو التعامل مع لوحة مفاتيح الحاسب الآلي. الكتابة، هوايةً كانت، أو وظيفة، لا بأس أن نأخذ إجازة منها. وأن نبتعد شيئاً ما عنها.

قد يظن البعض أن الانقطاع المؤقت عن الكتابة يمكن أن يفقد الكاتب مهاراته وقدراته الكتابية. يتصورون أنه سيخسر المرونة والليونة المعتادة في الكتابة والإنتاج. لكن ذلك غير صحيح مطلقاً. فالتوقف عن الكتابة أنواع. النوع الأول هو التوقف القاطع الذي يرى الكاتب فيه أنه قد قال كل ما عنده، ولم يعد بحاجة إلى إضافة شيء. والنوع الثاني هو المؤقت الذي يشعر فيه الكاتب أن رصيده المعرفي والإبداعي قد بدأ يتناقص ويستنزف، وأنه صار يعيد نفسه ويكرر أفكاره دون أن يدري. وهذا الشعور الواعي بما يشبه «حالة الإفلاس» تستدعي من الكاتب، الذي لا يكتب لمجرد الكتابة، أن يتوقف ويتأمل ويعيد حساباته من جديد.

يساعد التوقف المؤقت عن الكتابة في التخفيف من الضوضاء المسيطرة على الدماغ من كثرة التفكير والانشغال بإنجاز المواد المطلوبة. ويساعد في منح الكاتب فسحة للتبصر في الأبواب المغلقة التي يشعر أنها كثرت في وجهة وهو يعالج موضوعاته أو يحاول إتمام منتجه الإبداعي. قد يجد المفاتيح في كلمة جديدة تهل عليه فجأة. أو من طرح سابق لم يكتمل نضوجه. وقد يتمكن الكاتب بعد الانقطاع من ابتكار أساليب وأشكال مبتكرة لإكمال نصوصه.

والتوقف عن الكتابة لا يعني التوقف عن التفكير في الكتابة، أو التوقف عن القراءة التي هي الطريق الأول المفضي للكتابة. سيبقى الكاتب يرصد ما حوله، ويتأمل في كل ما حدث وسيقع. الكاتب الحصيف هو الذي يحول ذاكرته إلى مخزون يُعاد تصنيع مكوناته وتطويرها لتنسكب في قوالب جديدة ومدهشة. وستكون العودة للكتابة مرة أخرى أكثر حماسا وامتلاء بعد أن شحن الكاتب قواه الذهنية والنفسية بكل نفيس طرأ على ذهنه أو صادفه في طريقه، أو بحث عنه لغرض آخر غير الكتابة.