صيف لوّل
كلمات لها معنى
الأربعاء 28 / 07 / 2021
رحم الله آباءنا وأجدادنا الأولين الذين عانوا من الحر والتهبوا بسياطه، حيث لم تكن هناك مكيفات ولا مراوح ولا ثلاجات، وكان الواحد منهم يعصر «وزاره» ليضعه على رأسه خشية أن يصاب بضربة شمس تفجر له «يافوخه»، وحيث كان الجميع ينامون على السطوح يتلمسون نسمة هواء تبرد لهم فرشهم التي ينامون عليها والتي عادة ما تمتلئ بالرطوبة والطل طوال الليل، وحيث يلجأ الكبار والصغار وحتى النساء للاستحمام في البحر حتى تبرد أجسادهم الملتهبة من القيظ والحر.
رحم الله آباءنا وأجدادنا الذين عانوا أشد المعاناة من الحر، أما نحن اليوم فبالرغم من الحر الشديد، لكننا من مكيف بارد إلى مكيف آخر، فالبيت به المكيفات في كل غرفة، والسيارة التي نتنقل بها في واجهتها مكيف «على كيف كيفك» والمكتب به مكيف بارد يجلب لنا النعاس.
وكما توقعت مكاتب الأرصاد الجوية فإن موجات الحر ستزداد اعتباراً من العام الحالي بواقع مرتين إلى ثلاثة أضعاف بحلول منتصف القرن. ولله في خلقه شؤون، أما نحن في دول الخليج فنقول «علشان ينضج الرطب نتحمل الحر والتعب».
وكلما أقبل الصيف وبدأت الحرارة في الارتفاع وازداد تصفد العرق من جباهنا، تذكرنا صيف لوّل، وكيف كان الناس يعانون من لهيب الصيف ولسعات حرّه قبل أن تدخل الكهرباء في البحرين وقبل أن نعرف المكيفات والمراوح .. كانت « المهفة» هي وسيلة الترويح البسيطة التي كانت تطرد الذباب عن وجوهنا وتعطينا بعض النسمات الباردة التي تلطف الأجواء علينا، ولكن ما أسرع أن نرميها بعيداً عنا بعد أن تتعب أيادينا من طول ومدة استخدامنا لها.
وكانت مراتعنا ليلاً في «البرايح» التي عادة ما تكون بالقرب من السواحل علنا نحظى بنسمة هواء باردة.
وكانت العيون الطبيعية كعين الزمّة وعين أم شعوم وعين عذاري وعين الرحى بسترة هي ملفاهم وملاذهم للتخفيف من آلام الحر والحرارة.
وكلما جاءنا الحر والقيظ في هذه الأيام فزعنا إلى المكيفات التي تصدح بأصواتها ليلاً ونهاراً لننعم بنسمة باردة، وهرعنا إلى الثلاجات لنشرب ماء بارداً يطفئ لهيب الشمس، وترحمنا على العلماء الذين اخترعوا لنا المكيفات والثلاجات بدلاً من «المهفة» و«الليحلة» و«الحب» التي كنا نشرب منها الماء صغاراً.
كنا نعرف أن الصيف قد أقبل عندما نرى «العكاكير» أي المزارعين «ينبتون» النخل حتى يثمر، وكنا نعرف اقترابه عندما يظهر بائع الخضروات «الخضّار» وهو يذرع الأزقة والحواري والفرجان وهو يحمل على حماره كميات من «الجلايد» المشكوكة في عقد أخضر جميل تنبيهاً لنا بأن «الخلال» و«البسر» قد بدأ موسمه وأن «الخلال» الأخضر قد بدأ في التحول إلى رطب جني وشهي بألوانه الصفراء والحمراء والسوداء.
كان الرطب وما زال هو فاكهة الصيف المحببة إلى النفوس، وكان الخضار ينادي من فوق حماره « لوز ولومي ورمان وبمبر وخلاص ومرزبان».
كان الحر يعني لنا نحن الأطفال آنذاك بدء الإجازة الصيفية، ويعني الانتشار والفرح والانشراح على السواحل والاستحمام في مياهها، حيث تعلمنا فيها السباحة منذ الصغر، وكان الطفل عندما يتم ختانه يؤخذ للبحر حتى يلتئم جرح الختان وحتى تسقط القماشة التي وضعت لحماية الجرح.
وكانت البساتين والبرك هي ملاذ الصغار والكبار.. فقد كانت «الكشتات» تخرج بنسوان الفريج وأطفالهم وشبابهم إلى عين الرحى بسترة وعين بوزيدان وعين قصاري وعين الزمة في الحد للتمتع بأكل البسر والرطب واللوز والبمبر والطماط، والاستحمام في هذه البرك التي اشتهرت بها البحرين منذ قديم الزمان.
وكان أكثر الناس الذين لا يستطيعون السفر بسبب فقرهم يقضون صيفهم في مصايف عراد واليابور والبديع، حيث تبنى العرشان وبيوت السعف التي تنتقل للعيش فيها الكثير من العائلات البحرينية.
هذا غيض من فيض من ذكريات «صيف لول» البعيدة.. عشناها بحلوها ومرّها ويا ليتها تعود.
رحم الله آباءنا وأجدادنا الذين عانوا أشد المعاناة من الحر، أما نحن اليوم فبالرغم من الحر الشديد، لكننا من مكيف بارد إلى مكيف آخر، فالبيت به المكيفات في كل غرفة، والسيارة التي نتنقل بها في واجهتها مكيف «على كيف كيفك» والمكتب به مكيف بارد يجلب لنا النعاس.
وكما توقعت مكاتب الأرصاد الجوية فإن موجات الحر ستزداد اعتباراً من العام الحالي بواقع مرتين إلى ثلاثة أضعاف بحلول منتصف القرن. ولله في خلقه شؤون، أما نحن في دول الخليج فنقول «علشان ينضج الرطب نتحمل الحر والتعب».
وكلما أقبل الصيف وبدأت الحرارة في الارتفاع وازداد تصفد العرق من جباهنا، تذكرنا صيف لوّل، وكيف كان الناس يعانون من لهيب الصيف ولسعات حرّه قبل أن تدخل الكهرباء في البحرين وقبل أن نعرف المكيفات والمراوح .. كانت « المهفة» هي وسيلة الترويح البسيطة التي كانت تطرد الذباب عن وجوهنا وتعطينا بعض النسمات الباردة التي تلطف الأجواء علينا، ولكن ما أسرع أن نرميها بعيداً عنا بعد أن تتعب أيادينا من طول ومدة استخدامنا لها.
وكانت مراتعنا ليلاً في «البرايح» التي عادة ما تكون بالقرب من السواحل علنا نحظى بنسمة هواء باردة.
وكانت العيون الطبيعية كعين الزمّة وعين أم شعوم وعين عذاري وعين الرحى بسترة هي ملفاهم وملاذهم للتخفيف من آلام الحر والحرارة.
وكلما جاءنا الحر والقيظ في هذه الأيام فزعنا إلى المكيفات التي تصدح بأصواتها ليلاً ونهاراً لننعم بنسمة باردة، وهرعنا إلى الثلاجات لنشرب ماء بارداً يطفئ لهيب الشمس، وترحمنا على العلماء الذين اخترعوا لنا المكيفات والثلاجات بدلاً من «المهفة» و«الليحلة» و«الحب» التي كنا نشرب منها الماء صغاراً.
كنا نعرف أن الصيف قد أقبل عندما نرى «العكاكير» أي المزارعين «ينبتون» النخل حتى يثمر، وكنا نعرف اقترابه عندما يظهر بائع الخضروات «الخضّار» وهو يذرع الأزقة والحواري والفرجان وهو يحمل على حماره كميات من «الجلايد» المشكوكة في عقد أخضر جميل تنبيهاً لنا بأن «الخلال» و«البسر» قد بدأ موسمه وأن «الخلال» الأخضر قد بدأ في التحول إلى رطب جني وشهي بألوانه الصفراء والحمراء والسوداء.
كان الرطب وما زال هو فاكهة الصيف المحببة إلى النفوس، وكان الخضار ينادي من فوق حماره « لوز ولومي ورمان وبمبر وخلاص ومرزبان».
كان الحر يعني لنا نحن الأطفال آنذاك بدء الإجازة الصيفية، ويعني الانتشار والفرح والانشراح على السواحل والاستحمام في مياهها، حيث تعلمنا فيها السباحة منذ الصغر، وكان الطفل عندما يتم ختانه يؤخذ للبحر حتى يلتئم جرح الختان وحتى تسقط القماشة التي وضعت لحماية الجرح.
وكانت البساتين والبرك هي ملاذ الصغار والكبار.. فقد كانت «الكشتات» تخرج بنسوان الفريج وأطفالهم وشبابهم إلى عين الرحى بسترة وعين بوزيدان وعين قصاري وعين الزمة في الحد للتمتع بأكل البسر والرطب واللوز والبمبر والطماط، والاستحمام في هذه البرك التي اشتهرت بها البحرين منذ قديم الزمان.
وكان أكثر الناس الذين لا يستطيعون السفر بسبب فقرهم يقضون صيفهم في مصايف عراد واليابور والبديع، حيث تبنى العرشان وبيوت السعف التي تنتقل للعيش فيها الكثير من العائلات البحرينية.
هذا غيض من فيض من ذكريات «صيف لول» البعيدة.. عشناها بحلوها ومرّها ويا ليتها تعود.