الرأي

بناة الأهرام في حفلهم المهيب

«وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبنى قواعد المجد وحدي، وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي، أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي، إن مجدي في الأوليات عريق من له مثل أولياتي ومجدي..»، إلى آخر قصيدة الشاعر حافظ إبراهيم والتي تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم، وقد سمعتها تتردد في أذني وأنا أشاهد حفل نقل 22 من المومياوات الملكية، فقد أبهرت مصر العالم في حفل نقلهم إلى متحف الحضارة بعد أن قضوا مائة عام في المتحف المصري بالتحرير.

لقد شاهد العالم هذا الحدث الفريد والذي ألقى الضوء على عظمة الإنسان المصري، حيث كان الحفل تجسيداً لجزء من هذا التفرد للحضارة المصرية التي ملأت آثارها متاحف العالم وأثارت أسرارها حيرة العلماء، وكان للربط بين الإنسان المصري الحديث وجدوده العظماء مشاهد عدة في الاحتفالية المهيبة.

لم يغفل منظمو الحفل دور المرأة المصرية الذي تجسد في العديد من المشاهد، فالحضارة الفرعونية التي تفخر بنفرتاري وحتشبسوت وإيزيس، وتقدس دورهن من خلال الآثار العظيمة والمعابد التي تحكي قصة حياتهن، من خلال التماثيل التي تجسد المرأة وهي في شموخ إلى جانب مليكها سواء أمام المعابد أو على الجداريات لكي نستشعر تقدير المرأة في بناء الحضارة المصرية القديمة.

وقد استلهم منظمو الحفل من التاريخ العديد من الصور التي جسدت بعضاً من هذه الحضارة، فقد كانت الأطباق البلورية التي أمسكتها الفتيات تمثيلاً لقرص الشمس رع، أو عازفة الفرقة التي كانت تمسك بالدف، أسوة بإحدى بنات النيل على الجداريات، والعديد من الصور الاحتفالية كالعربات التي تم نقل المومياوات عليها.

لقد كان حفلاً مهيباً يليق باسم مصر وحضارتها العظيمة، وقد وعدت الدولة المصرية بمزيد من الاحتفالات لكي يعرف العالم قيمة الحضارة المصرية وتشكل جزءاً من القوى الناعمة التي تستحضرها الدولة المصرية الحديثة.

إن العلم الذي وقف عاجزاً أمام أسرار هذه الحضارة، وقف مبهوراً بالاحتفالية العظيمة التي جسدت عظمة الإنسان المصري القديم سواء في مجال الطب أو الرياضيات أو الهندسة، والعديد من الأسرار الذي يحاول العلماء اكتشافها، فقد كان حاضراً في الاحتفالية أحد الأسرار التي لم يتم اكتشافها بعد وهي سر التحنيط والذي حفظ لنا هذه المومياوات لآلاف السنين، حيث كان شعر الملكة تي، ما زال محتفظاً برونقه رغم كل هذه السنين.

إن مصر سطرت إحدى الصفحات المضيئة التي جعلتها محط أنظار العالم، فتمنى الجميع زيارة مصر لكي يشاهد المزيد من الآثار والمعابد التي صمدت كل هذا العمر لكي تحدثنا عن تاريخهم لنتعلم منهم، فتحية لمصر التي جعلتنا جميعاً نفتخر بها وبعظمتها.