الرأي

المملكة تُسقط محاولات الهيمنة وفرض النفوذ

لا شك أن العرف السياسي والدبلوماسي يجعل من التدخل في الشؤون الداخلية للدول أمراً مرفوضاً، ومساساً بسيادة الدول. والمملكة العربية السعودية تكرس هذا المفهوم دائماً عبر خطابها السياسي، ودائماً ما تمثل النقطة المشرقة في الوطن العربي؛ تبنّت منذ البدء سياسات واضحة المعالم والاتجاه؛ حيث أرسى الملك المؤسس عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- دعائمها على القيم والمبادئ العربية والإسلامية، والتمسك بالشرعية الدولية، واحترام سيادة الدول واستقلالها، ورعاية حقوق الإنسان وعدم التدخل في شؤون الآخرين.

المملكة اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- تقف قوية شامخة معتزة بتلاحم قيادتها مع شعبها. ان المملكة دولة ذات سیادة تامة كما جاء في المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم، تستمد سلطتها من القرآن الكريم والسنة النبويّة وتؤمن باستقلال القضاء، ولا تسمح بالتدخل في أحكامه، ولا في الشأن الداخلي لها.

نحن نستغرب من تناسي إدارة الرئيس الأمريكي ما ارتكب فوق أرضها من جرائم ضد الإنسانية وضد الأقلية الأمريكية السوداء والهنود الحمر وغيرها من الأقليات، وجرائم الإبادة في فيتنام، والخراب والدمار للموروث الحضاري والإنساني والثقافي والتنموي في أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين، وما فعلت بمعتقلي جوانتنامو وأبوغريب، وسكوتها عن جرائم إيران والانقلابيين الحوثيين في اليمن، وتركت كل الجرائم التي سجلها التاريخ في حق أمم وشعوب وجماعات وأفراد لتنبش في قضية الصحفي السعودي التي عالجها القضاء السعودي المستقل في محاكمة عادلة حضرها ممثلون عن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وتركيا والمنظمات الحقوقية السعودية، وأسرة المجني عليه، وطبقت فيها معايير الشفافية والنزاهة والحياد وصدرت فيها أحكام صارمة، باركتها أسرة الصحفي والشعب السعودي.

إن الهجوم على المملكة له أسباب عديدة وأهمها أن القيادة السعودية قررت الانطلاق بمشاريع عملاقة للتنمية في كافة الحقول العسكرية والصناعية والاقتصادية والتكنولوجية والسياحية وغيرها، ما يحرر المملكة مستقبلاً من محاولات الدول الغربية فرض الهيمنة والنفوذ والتبعية في المجالات المختلفة، ومن الابتزاز الذي تمارسه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والّذي ترفضه القيادة والشعب السعودي.

إن ما تتعرّض له المملكة هو نتيجة لمواقفها المشرفة، والصادقة مع قضايا الأمة العربية والإسلامية وأدوارها الريادية في استقرار المنطقة والعالم، وخاصّة دورها في مكافحة المد الفارسي والإرهاب والتطرف بكل أشكاله.

إن الهدف من تقرير خاشقجي أيضاً ممارسة الضغط على المملكة لتحصيل مكاسب تستطيع من خلالها الإدارة الأمريكية الحالية شراء لوبيات حقوق الإنسان المتخصصة في رصد نجاحات المملكة واستهداف رؤيتها ومشروعها التنموي والاقتصادي الضخم.

لقد أخطأت إدارة الرئيس الأمريكي في تقديراتها السياسية والدبلوماسية ولم تتعلم من التاريخ آليات تعامل المملكة مع مثل هذه المواقف ومنها طرد الملك فهد رحمه الله للسفير الأمريكي عندما حاول التدخل في شؤون المملكة، وكذلك السفير الكندي في عهد الملك سلمان. لذلك على إدارة الرئيس الأمريكي تدارك هذا الخطأ الجسيم في حق سياستها الخارجية والتفكير بضرورة التهدئة وإعادة الدفء لعلاقاتها الخارجية مع المملكة التي تمثّل حليفاً إستراتيجياً لها وتربطهما شراكة تاريخية قوية ومتينة من أجل ترسيخ أمن واستقرار المنطقة والسلم العالمي.

نأمل أن يكون نشر التقرير بداية لإغلاق الملف نهائياً ووقف استغلاله، وخاصّة ممن استثمروا غيابه لكيل التهم للمملكة وقيادتها وتجاوز الشرخ وفتح المجال للتفاهم المشترك مع المملكة التي أثبتت دائماً أنّها دولة تراعي حقوق الإنسان وتحترم الشرائع العدلية والدوليّة.

* نقلاً عن صحيفة الرياض السعودية