الرأي

قواعد اللعبة

رجعت إلى البيت والدموع تملأ عيني، كنت أحاول أن أكابر وأجعل الأمر طبيعياً، لكي لا يشمت بي إخوتي ويصفونني «بالطفلة الدلوعة» التي تبكي، فالبكاء غير مستحب في عائلتي التي يطغى عليها الطابع الذكوري، ولكن أمر إخفاء الانزعاج ليس بالسهل بالنسبة إلي، فالموضوع مؤلم جداً. وما أن سألتني أمي «ما بكِ» حتى انفجرت من البكاء، وكأن بركاناً خاملاً اشتعل للتو واللحظة، فقلت لها: «إن أبناء جيراننا -الذين أعتبرهم بمثابة إخواني- يستهزئون بي، ويطلقون علي الألقاب متعمدين إحراجي أمام الجميع، وبدأت أشرح لها بالتفصيل ما قال كل منهم، حتى فوجئت بصوت أبي قائلاً: يبدو أنك لا تعرفين قواعد اللعبة؟ فرددت عليه «أي لعبة» وأنا أتمتم في قلبي «ما دخل اللعب الآن فيما أقول وأشعر به؟»، فرد علي قائلاً: «لعبة الاستفزاز»، اقتربِي وأنصتي لي جيداً.. «بنيتي، في الحياة بشكل عام هناك نفر يريدون استفزاز أي شخص من أجل التحكم به، مؤمنين بأن الاستفزاز سيشتتهم ويصرف نظرهم عن التركيز، ناهيك عن أنهم عن طريق الاستفزاز سيتحكمون بهم، كما حدث لك الآن وقد استطاع الطرف الآخر التحكم بعواطفك وجعلك تنزعجين وتغضبين وتبكين. فاستمعِي إلى قواعد اللعبة وأتقنيها واستمتعِي بها، أولاً: حصني جبهتك الداخلية، اجمعي أشتاتك وتركيزك، وثقي بنفسك؛ فالإنسان المبعثر سهل الاختراق، شأنه شأن الدول الضعيفة الممزقة داخلياً المتفرقة؛ فالدول العظيمة ليست من تملك أقوى الجيوش فقط، بل هي من تملك شعوباً متآلفة محبة للوطن، فالعدو لا يجرؤ مطلقاً على تحطيم الدول من الخارج، بل يبدأ بتفكيكها أولاً من الداخل؛ لكي تسهل مهمته. ثانياً: تحلي بالصبر وبالنفس الطويل ولا تستسلمي من أول جولة في هذه اللعبة، رتبي أفكارك وركزي فيما يجعك تتقدمين، ولا تكترثِي بما يقولون، فهم سيسعون لتشتيت تركيزك لكي يحولوا دون تقدمكِ ونمائكِ وتطوركِ، وسينسجون لك أوهاماً ليشغلوك عن واقع التطور الذي تسعين إليه، وسيسعى العدو لتشتيتكِ ليمهد للضربة القاضية، فاجعلي تركيزك سلاحك. ثالثا: تعلمي لغتهم، ولا تجاريهم بها إلا إذا استدعى الأمر ذلك، فبذلك تضمنين فهمهم وفهم ثقافتهم لتحليلها وتتعرفي على نقاط الضعف فيها. رابعاً: هو أن تحاربيهم بذات السلاح، لا أقصد مطلقاً أن تنزلي إلى مستواهم، ولكن تفوقي عليهم فيما يتميزون به ويستخدمونه ضدك، فلو كان لديهم عصبة ذات خصائص معينة، فاسعي لتشكيل عصبة ذات خصائص أفضل لتتفوقي عليهم، وإذا كان لهم بوق إعلامي بارز فاصنعي لنفسك بوقاً إعلامياً أفضل، ولو كان لهم إستراتيجيات لترويج أفكارهم فاعملي لخلق إستراتيجيات تضاهي إستراتيجياتهم. وخامساً: تمسكي بأخلاقيات اللعب؛ فالمنافسة مشروعة، واستخدام الأساليب الشرعية المتنوعة مشروع، فاستخدمي كل ما هو مشروع لضمان التفوق عليهم والتصدي لهم. وسادساً: لا تنسي أن تستمتعي بكل مراحل اللعبة.

* رأيي المتواضع:

استرجعت قواعد اللعبة التي علمني إياها والدي رحمه الله وأنا أرى ما تتعرض له المملكة العربية السعودية من حملات استفزازية، وهو الوضع الذي مر ومازال يمر به وطني الغالي البحرين. حملات استفزازية تسعى لتشتيت التركيز، ولا غرابة في ذلك والسعودية استفزت هؤلاء بخطواتها الجريئة والكبيرة نحو مزيد من التقدم والازدهار. وستستفزهم أكثر وأكثر من خلال تركيزها على نهج التطور والارتقاء.