الرأي

الولاية الأوبامية الثالثة

هل يُعقل أعزائي الأمريكان أن تبدؤوا من حيث انتهيتم؟ ومن حيث غادر السيد أوباما مكتبه قبل أربع سنوات؟ هل يُعقل أن تبدؤوا معنا كحراس على (القيم) الأمريكية على أساس أنها هي من يحكم علاقاتكم الدولية وسياستكم الخارجية كحقوق الإنسان وحقوق الصحافيين وحقوق المرأة؟ هل أنتم جادون فعلاً؟ أما زلتم تعتقدون أن هذا الخطاب ممكن تمريره هنا (seriously)؟

أتمنى أن لا تعتقد الإدارة الأمريكية بأن السنوات العشر الأخيرة التي مرت على المنطقة لم تحدث تغيراً جذرياً في العلاقات الأمريكية الخليجية وكوعي اجتاح شعوب المنطقة بعدما تكشفت الحقائق، يؤسفنا جداً أن ننبهكم أن تلك السنوات تركت أثراً كبيراً خط ورسم نظرة مختلفة تنظر بها شعوب المنطقة للحلف التاريخي والاستراتيجي بارتياب وشك، وما جرى في انتخاباتكم -ونحن لا ننتصر لطرف ضد آخر- إنما نتحدث عن سير العملية التي نسفت فيها كل القيم الأمريكية أمام العالم تلك التي ترغبون في فرضها علينا.

فأمريكا ما عادت هي أمريكا كما كانت عليه قبل 2011، حليفاً استراتيجياً أو أرض الأحلام، بل تحولت إلى دولة تحاول أن تسلبنا أمننا واستقرارنا وتعمم علينا تجربة العراق الفاشلة.

أتعرفون ماذا يعني محمد بن سلمان بالنسبة للمجتمع السعودي ذلك الذي تحاولون تشويه صورته؟ ماذا يعني للمرأة للشباب للإعلاميين للمثقفين، إنكم هنا تتحدثون عن أكثر من 70% من الشعب السعودي، إنه حلمهم الذي انتظروه لسنوات، إنهم يتمسكون به خوفاً على أحلامهم، لقد نقل السعودية وأحدث ثورة بيضاء فيها، فتأتون أنتم وتعتقدون أنكم تشوهون سمعته أو تؤثرون على صورته بحديثكم المزدوج والمتناقض عن القيم الإنسانية؟ إنكم وضعتم أنفسكم في مواجهة كل تلك الفئات السعودية ومعها شعوب الخليج الذين ينظرون للسعودية كعمود لخيمتهم.

هل يعقل أن تكررون خطأ ما سمي بخطوط أوباما الحمراء التي أصبحت وردية لشدة نعومتها، إنكم تعرضون اسم ومكانة وهيبة الولايات المتحدة الأمريكية للخطر، خطابكم الناعم لإيران وأقوالكم التي لاتصاحبها أفعال هي التي جرأت الأسد عليكم أول مرة وتجرؤ إيران عليكم ثاني مرة، هم يعرفون كما نعرف نحن ماذا تعني خطوطكم الحمراء ... إنها تعني لا شيء باختصار!

كلما أدركت الإدارة الأمريكية هذا المتغير الذي طرأ على العلاقة بينها وبين شعوب المنطقة كلما كان ذلك مفيداً للجميع، كي نعمل سوياً على ترميم تلك الشروخ وتعديلها فما يجمعنا مع الشعب الأمريكي مصالح متعددة وكثيرة.

إنما مع الأسف في الشهور الأولى للإدارة الأمريكية الجديدة نشعر أنها بدأت ترسم ملامح العلاقة الخليجية الأمريكية من حيث توقفت قبل أربع سنوات وكأن المياه لم تجرِ تحت الجسور، فنحن أمام سياسة خارجية مكررة لولاية أوبامية ثالثة بقضها وقضيضها بأداوتها وبشخوصها بوزير خارجيتها أنتوني بلكن ومستشارها القومي جاك سوليفان وكانا مساعدي لوزيري الخارجية والأمن القومي في عهد أوباما، رؤيتهما تتلخص في التفاهم مع إيران بحجة الاحتواء والتشدد مع جيرانها بحجة القيم الأمريكية وعلى رأسها ملف الحقوق، وكأن إيران هي جنة الحقوق الإنسانية!!

بدأت هذه الإدارة بالتخاطب مع إيران عبر الوسيط الأوربي وأرخت حبل العقوبات ومررت لها بعض الأرصدة المجمدة في العراق وكوريا ولم تعد ترى الحوثيين جماعة إرهابية وتتفاهم معهم عبر الوسيط العماني، وعموماً مستشار الأمن القومي جاك سوليفان هو مهندس الاتفاق النووي الأول في عهد أوباما فماذا نتوقع؟

ألم تتعلموا من أخطائكم؟ ها أنتم تورطتم بخاطبكم الانتخابي التصعيدي تجاه السعودية إلى الحد الذي أعاقكم بعد الوصول للسلطة عن التراجع عن تلك الوعود الانتخابية، دون أن يمس ذلك التراجع من هيبتكم وحفظ ماء وجهكم، فبدا خطاب الخارجية الأمريكية بعد نشر التقرير وبعد ردود الفعل العنيفة من المجتمع الخليجي والعديد من الدول العربية، خطاباً ضعيفاً مهتزاً وهو يرسم ملامح لسياسة كان فيها السقف مرتفعاً بجعل السعودية دولة منبوذة، إلى (ماذا نفعل؟ لن نستطيع تغير شيء)!

هذه البدايات المتخبطة تدل على عدم قراءة المتغيرات وتدل على أن الدائرة التي تبني قراراتكم مازالت تدور حول (معاندة) ترامب ومخالفته، تلك المعاندة هي المرشد الراسم لسياستكم الخارجية فمازال خطابكم محلياً لناخبيكم وليس لنا رغم أنكم تتحدثون عن شؤوننا.

ثم جاءت وثيقة الأمن الاستراتيجي المرحلية أو المؤقتة التي أعلنتم عنها الأسبوع الماضي وملخصها، أنكم ستعتمدون الدبلوماسية والديمقراطية في حل أزمات المنطقة وهي ذات الاستراتيجية التي ضيعت سوريا وأفقدتكم السيطرة على أمن البحر الأحمر ومدت يد إيران حتى وصلت إلى حدود إسرائيل في عهد أوباما، وها أنتم تكملون المسيرة التي توقفت جاعلين من إيران تستغلكم للعودة للتصعيد كما ترون ما حصل في الشهر الأخير في اليمن في مأرب وفي العراق على قواعدكم بل وتمتد يدها على السعودية وعلى منابع النفط!!

هناك مثل عربي شهير «الكتاب باين من عنوانه» وعنوان كتابكم واضح جداً أنكم تجهلوننا بشكل كبير أنكم كالمستكشف الجديد للمنطقة يأتي لنا ناثراً في الفضاء بناء تراكمياً بناه أجدادنا وأجدادكم وصرحاً تاريخياً بالغ القيمة تدوسونه وتهدمونه بجهل منقطع النظير.