الرأي

إثبات حسن النوايا 'أولاً'

دائماً ما نؤكد بأن البحرين بلد تعايش وأمن وسلام، وهذا نهج اختطه جلالة الملك حفظه الله منذ توليه مقاليد الحكم، ورسخه على مرتكزات عديدة، أبرزها أن البحرين كنظام يبني علاقاته الخارجية على أسس بناء الثقة والمصالح المشتركة، وينأى بنفسه دائماً عن التدخل في شؤون الآخرين.

ولذلك فإن أكثر ما يضايقنا كبحرينيين هو تدخل أي جهة خارجية في شؤوننا الداخلية، ومع نوايا هدفها استهداف الأمن القومي وزعزعة الاستقرار الأخطر «قلب نظام الحكم»، سواء كان ذلك بشكل مباشر عبر دعم الجماعات الثيوقراطية الإرهابية، أو من خلال تحشيد الجهود الإعلامية لخدمة هذه النوايا. كان يكفينا النظام الإيراني الذي عادانا بكل الوسائل والطرق طوال عقود، وتحول لعدو صريح يواصل مخططاته ومساعيه لاستهداف البحرين، وأيضاً عدو مباشر لشقيقتنا الكبرى المملكة العربية السعودية عمقنا الاستراتيجي الثابت، ونظام محتل للجزر الثلاث التابعة للشقيقة الإمارات.

ولذلك كان الألم أكبر حينما تستهدف البحرين من قبل الجار، وفي وقت كانت فيه بلادنا تشهد استهدافاً صريحاً وخطيراً، يقف وراءه نظام الخامنئي بوضوح.

نعم أتذكر ما حصل في انقلاب 2011، حينما كانت البحرين مستهدفة، وبينما هبت السعودية والإمارات لمد يد العون، وانتقلت قوات درع الجزيرة لتحمينا من كيد العدو الإيراني وأعوانه، كانت الصدمة إزاء ما تبثه قناة الجزيرة الممولة من النظام القطري، من تقارير تستهدف بلادنا، وكأنها تبث من عمق إيران! نتذكر برنامج «صرخة في الظلام» وكيف صدر من نظام جار لنا، ظننا أنه سيقف مع أشقائه، لكننا تفاجئنا به وعبر رئيس وزراءه آنذاك يتواصل مع قادة الانقلاب و«يعشمهم» بالدعم والتأييد، وبقناته «الجزيرة» يرمي سهامه ومازال، وكأن البحرين هي العدو ومن يسعون لاختطافها هم الأصدقاء.

ورغم ذلك، أبقت البحرين وشقيقاتها السعودية والإمارات على حبل الود، ومع سحب السفراء واتفاق الرياض بعدها في 2014، كان الأمل بأن يعيد النظام القطري مراجعة حساباته، فالعمل ضد أشقائه لن ينتج عنه إلا مواقف صارمة لوضع حد لهذا الاستهداف الغريب.

لكن للأسف دعم الجماعات الإرهابية استمر، التدخل في شؤون الأشقاء العرب أوغل، وما حصل في مصر دليل على السعي للتدخل في شأن داخلي لدولة دون احترام للسيادة، بالتالي وصل التحالف العربي لاتخاذ قرار بمقاطعة النظام القطري عله يراجع حساباته، عله يدرك أن الكيد لإخوانه وأشقائه أمر لن يؤدي إلا لحرق خطوط الود والتواصل بين شعوب يجمعها مصير واحد وتربطها علاقات متداخلة متجذرة.

مضت أكثر من ثلاث سنوات، فيها كان الترقب لأية بادرة حسن نوايا لإصلاح الوضع، لكن الرفض كان طاغياً لدى النظام القطري، بل أجهضت كل مساعي الصلح عملية التودد للعدو الإيراني، وفتح الباب لنظام تركي لا يكن أي مودة للعرب، يعيش على أحلام استعادة المجد العثماني ليدخل عسكرياً لمنطقتنا!

لابد من تذكر الأسباب التي قادت لهذا الوضع، لابد من تحديد البدايات التي تجمعت كشرارات متراكمة قادت لهذه النار الكبيرة، وهنا لسنا نتحدث عن 2017 فقط، بل تراكمات بدأت منذ منتصف هذه الألفية، منذ انطلاقة «الجزيرة» وتسليطها على استهداف بلادنا والأشقاء، منذ افتضاح أمر التفكير والتخطيط لاغتيال الملك عبدالله، والتدخل في أحداث البحرين، والسعي لإضعاف السعودية والإمارات، واستهداف الوضع الداخلي في مصر، وبعدها من إساءات وتطاول على الحكام والرموز في وسائل إعلامهم، وصولاً للاعتداءات الأخيرة المتزايدة والمتعمدة على البحارة البحرينيين والإساءة للمحرق العريقة. من يريد المصالحة عليه إثبات حسن نواياه، عبر أفعال وخطابات تجمع وتسعى للتقريب، لا عبر استمرار التدخل في شؤون الآخرين، ولا عبر أجهزة إعلامية بدل أن يستخدمها النظام القطري لدعم أشقائه، حولها لسكاكين في ظهورهم، وقدمها لتلميع الإيراني والتركي، وبعدها يبكي ويشكي مقاطعة أشقائه له.