الرأي

عرب من حزب 'الحمار'

عندنا «ديمقراطيون» عرب ينتمون لحزب «الحمار» أكثر من أوباما وهيلاري كلينتون وبايدن، وللعلم كما هو معروف أن الحزب الديمقراطي الأمريكي شعاره «حمار».

لا هم بأمريكيين ولا لديهم حتى البطاقة الخضراء لكنهم عرب يساريون ويموتون غيظاً كلما رأوا ترامب أو سمعوا صوته مثلهم مثل أوباما وهيلاري كلينتون، وهنا لا ندافع عن ترامب ولا بيننا وبينه أية عواطف من أي نوع لا حباً ولا كرهاً فيه، علاقتنا معه كعلاقاتنا مع أي رئيس أمريكي نؤيده بقدر سياسته الخارجية وتقاطعه مع مصالح أمننا واستقرارنا، فإن خدمها فنحن له من المؤيدين في هذا الجانب فقط ولا دخل لنا في كيفية إدارة بلده، لكن عندنا متأمركين عرباً ومحلليين سياسيين عرباً والأدهى بعضهم خليجي كلما تعثر ترامب بحجر وهو يسير فزوا من مكانهم يسألون: مات؟

المشكلة أن ترامب لن يجلط منافسوه من الحزب الديمقراطي فقط ولن يجلط اليسار الأمريكي إنما سيجلط اليسار العربي معه كذلك المتحمس لفوز بايدن ونسوا أنه هو من دعا لتقسيم العراق.

كنت أعتقد أن اليسار الغربي هو التيار الفكري الأغبى في العالم الغربي لأنه يرى منطقتنا آمنة في حال سقوط الأنظمة العربية حين يتولى الإخوان الموالون لتركيا وحزب الدعوة الموالي لإيران زمام الحكم فيها، لكنني اكتشفت أن الأغبى منه هو ذلك اليسار العربي الذي سيجلطه ترامب أيضاً وسيجلط معهم قطر وفلول القوميين واليسار الاشتراكي والبعثيين الذي يؤمن مثله بأن سقوط الأنظمة العربية هو بداية نهوض شعوبها.

أيها اليساري العربي، نلوم مثيلك الغربي لأن أكثر منتميه لا يعرفنا ولا يعرف منطقتنا ولا شعوبنا ولا حتى تاريخنا ومع ذلك يصر أن يرسم مستقبلنا، المصيبة أنك تتبعه بغباء منقطع النظير إلى حتفك؟

أنت التقدمي التنويري ترى في التنظيمات الإرهابية ثورية لا نراها، وترى تحت الرجعية اعتدالاً وترى في سقوط الدولة فرصة للشعوب، ولا ترى عينك ما آلت إليه الشعوب التي تبعت خطاك وسلمت نفسها للمؤسسات الديمقراطية الأمريكية والمنظمات الحقوقية الدولية وانتهت بحال هو الآن في ليبيا وفي سوريا والعراق وفي اليمن، أنت ترى هذه الدول حلماً لك سينبعث منه نور في نهاية النفق، أترى نفقاً أصلاً حتى يكون هناك نور في آخره؟

الأكثر غرابة أن جميع التجارب الماضية والحاضرة أمامك أثبتت لك كيف خرج فيها اليسار من الباب الشرقي كما يقولون، انظر حولك فقياداته فأما معدومة أو فارة من بطش الجماعات الدينية من بعد أن ساعدوهم كما تفعل أنت الآن في تولي القيادة، ومع ذلك تسير على نهجهم وتعتقد أن النتيجة ستكون مختلفة هذه المرة، هل هناك أكثر غباء من هذا التفكير؟

واقعياً أنت كتيار سياسي تعد من الأقليات، ورغم أن لك الحق في تكوين حزبك السياسي إلا أن فرص فوزك بمقاعد مازالت ضئيلة نظراً لصغر حجم قواعدك فخياراتك محدودة، فاحمد ربك إذاً أنك في دولة تحفظ لك حقوقك المدنية وتعبر فيها عن رأيك بحرية تامة، ولك وظيفة وبيت ومدارس لأبنائك وفرص تدريبية وتمويل لمشاريعك الصغيرة والأهم أنت محمي تحت سقف آمن في ظل دولة، اعترف معنى أن تكون لك دولة؟

ومن تريدنا أن نسير على نهجهم يحلمون بإشارة مرور «الله عادلها» وماء نظيف يشربونه ويدعون الله أن يعودوا لبيوتهم قطعة واحدة لا قطعاً متناثرة في كل مرة يخرجون فيها بحثاً عن لقمة يسدون بها رمق عيالهم، وليسوا في دول فقيرة للعلم بل هم يدوسون على موارد طبيعية لا تقل عن ما هو عندنا.

للجميع أن يطمح لتحسين وضعه، وللجميع حق الكرامة والحرية، وللجميع حق الطموح في العمل السياسي وللجميع حق محاربة الفساد وكشفه، إنما حين ترسم لك طريقاً لتحقيق طموحاتك انظر لما هو حولك وانطلق من واقعك ولتكن خياراتك مما تعايشه وتلمسه ودع عنك ما تقرأه في الورق أياً كان كاتبه، فقد اتضح أن ليس كل يسار يؤدي إلى يسار أحياناً يقودك لهاوية لا قعر لها، فدع عنك حزب «الحمار» الأمريكي.. «لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا»!!