الرأي

'القضية الفلسطينية' عند جيل الألفية الثانية

لأهلنا في فلسطين نصيحة من القلب، لقد قستم مكانة «القضية الفلسطينية» في وجدان الشعوب العربية عام 2020 الآن وتحديداً عند جيل الألفية الثانية، وأقصد كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، هل قارنتم بينها وبين حجم تلك المكانة في عام 1960 على سبيل المثال، لتروا كيف تقلصت وكادت أن تختفي تلك المكانة عند مواليد الألفية الثانية، هل سألتم أنفسكم عن السبب؟ وقبل أن توجهوا سهامكم للشعوب العربية وحكامها كالعادة قيسوا على هذه القصة واعتبروها مؤشراً لواحد من عدة أسباب أدت إلى هذه النتيجة.

منذ أن وعينا على هذه الدنيا والقضية الفلسطينية هي قضيتنا، وكطفلة وكفتاة عربية من مواليد 1956 فلسطين كانت «قضية» كل إنسان عربي، حيث الغرس والتنشئة الأسرية والمدرسية والمجتمعية كلها كانت تضع هذه الحقيقة في حليب تسقيه لنا الأمهات، وفي فلكلور وفي تراث فلسطيني يغرس في الذاكرة جذوره وفي الفنون وفي حبنا لعبدالناصر الذي زرع في نفوسنا وطني حبيبي الوطن الأكبر.

حتى بات علي أن أتحمل في وجداني أنا البحرينية المولد الكويتية المنشأ مثل الفلسطيني مسؤولية «إعادة الأراضي الفلسطينية»، ونلوم أنفسنا على التقصير وعلى الخسائر المتتالية وضياع الشبر تلو الشبر والمتر تلو المتر والقطاع تلو القطاع.

نلوم حكامنا العرب وأحيانا نعاديهم لأنهم قصروا في حق القضية ونصفق لبيت شعر يخونهم لأن الأراضي ضاعت الواحدة تلو الأخرى.

إن كانت هناك حملة تبرعات تقدمنا الصفوف رغم صغر سننا خاصة وقد ربيت في الكويت حيث للقومية العربية بيت ومستقر وحيث الجيران من جنين ومن رام الله ومن حيفا، كبرنا معهم وربينا ونشأنا على قصص التهجير والترحال، بكينا معهم في النكسة وتظاهرنا معهم منعاً لاستقالة عبدالناصر وووووو، تستطيع أن تقول إنني أمثل حالة كل أهل الخليج من أقصاه إلى أقصاه، خاصة من جيلنا مواليد الخمسينات.

لذلك صدمتنا الأولى كانت في وقوف الفلسطينيين مع صدام حسين في غزوه للكويت كانت كبيرة، حيث أيدوه وناصروه وخرجوا لشوارع الكويت يهتفون باستقباله، ذهلت لأنني أعرفهم كجيران وكطالبات وكأصدقاء وأعرف ماذا قدمت لهم الكويت في المدارس والتسهيلات التي منحت لهم والتمييز الذي كان مقدماً لهم على غيرهم من العرب، ومحلاتهم التي فتحوها وتجارتهم التي كسبوا منها وربوا أبناءهم وأدخلوهم الجامعات كل ذلك في الكويت حيث أكثر من مليون فلسطيني قبل الغزو ينعم بحياة كريمة.

صدمتي الثانية كانت في خلافاتهم مع الأردنيين ثم مع اللبنانيين ثم مع التونسيين ثم مع المصريين ثم مع أنفسهم بانقساماتهم حيث أصبح لكل فريق منهم راعٍ وممول، ثم فاحت قصص الفساد لأن كل فريق يفضح قيادات الفريق الآخر نكاية به، تساءلنا نحن جيل الخمسينات إين إذاً فلسطين عند هؤلاء؟

حتى أصوات الحق -وكانت موجودة- لكنها لقلتها ضاعت في ضجيج الخيانات والغدر والضعف والانقسام، وقليلاً قليلاً نقص مكان وموقع «القضية» داخل نفسي حتى رأيت أن ما أحمله من هم وحب لفلسطين أكثر بكثير مما يحمله الكثير من الفلسطينيين لوطنهم، كل ذلك التناقص حدث قبل أن يولد جيل الألفية الثانية والذي يبلغ من العمر الآن عشرين عاماً حتى إذا ما جاءت الطامة الكبرى وبحثت دول الخليج عن موقف مساند من العرب للعدوان الإيراني علينا في البحرين وعلى السعودية وجدنا أشقاءنا الفلسطينيين في آخر الصفوف مكتفين بأضعف الإيمان وما كان المطلوب سوى إعلان موقف.

إلى أن جاء الربيع العربي والخلاف الخليجي القطري فكانت القشة! ففتح جيل الألفية الثانية عينه وهو يسمع الفلسطيني يدعو على أهل الخليج، وللتذكير فقد تبلغ نسبة من هم دون الخامسة والعشرين في دول الخليج ما يفوق الستين في المائة.

بفضل المال القطري أصبحنا نحن أهل الخليج الأعداء لا الإسرائيليين، نحن من يدعى عليه الإمام فجراً في المساجد رغم أن من يفتشه قبل دخوله المسجد جندي إسرائيلي ويأمنون عليه المصلون، هذا هو الوعي الذي تشكلت فيه مكانة القضية الفلسطينية في وجدان أبناء الخليج.

الفلسطيني الذي هو بحاجة لإجماع عربي ارتضى أن يكون حجراً تتلقفه الخلافات العربية العربية ولم ينجح في النأي بنفسه بعيداً عنها، وحتى في اعتراضه على قرار دولة الإمارات السيادي فجر في خصومته وكأن الإمارات هي من يحتل أرضه وهي من طرده منها، لذا فإن كانت للقضية بعض من مكانتها فاعلموا أنكم تخسرونها بعدائكم للإمارات وحكام الإمارات، فيا أشقاءنا خسرتم أنفسكم قبل أن تخسروا أشقاءكم، فهل عرفتم كيف ضاعت «الكضية»؟