الرأي

وأخيراً.. عدنا إلى أنفسنا

لا شك أن الفترة التي نعيشها في ظل الانخفاض الكبير في مستوى الأنشطة اليومية لا سيما على مستوى العمل والخروج من البيت أسهم بشكل كبير في خلق حالة من الهدوء والسكون لدى كثير من الناس حول العالم، وهو أمر جيد إذ ينم عن وعي كبير ومسؤولية عالية تجاه أنفسنا وتجاه أهلينا وأوطاننا. بالأمس تحدثنا عن أهمية الخلوة، وكيف أن هذه الأيام فرصة ذهبية لممارسة خلواتنا مع أنفسنا لإعادة مراجعة كثير من الأمور في حياتنا، وإعادة اكتشافنا لذواتنا عبر حديث عميق مع الذات، أو تطوير أنفسنا وإصلاحها من خلال تمارين التأمل، فضلاً عن التواصل العميق مع الله عبر الصلاة والذكر وقراءة القرآن والدعاء، ولعله الوقت المناسب لممارسة ما يعرف في الدين باسم «الخبيئة». وأرجو أن تلقى تلك الدعوة صدى لدى القراء لما لها من عظيم الأثر في حياتنا ككل.

نلاحظ في الفترة الأخيرة، انطلاق كثير من الدعوات لاستثمار وقت فراغنا الطويل في برامج ذات نفع وفائدة، وهناك ثمة أفكار كثيرة ابتدعها الناس كل حسب ميوله وأسلوب حياته، وبينما عمل البعض على محاولة قضاء الوقت في مزيد من النوم والكسل والإفراط في الأكل ومشاهدة التلفزيون طوال الوقت، لفتني كيف أن كثيرين عادوا لممارسة هوايات لم يكونوا يجدون لها ما يكفي من الوقت، وأصبحت الظروف الراهنة كنفس عميق مريح نأخذه لفترة من الزمن لنتوقف عن مشاغلنا ولنعود للإصغاء لصوت القلب وبما يأنس، فمن الناس من عاد لممارسة الأعمال اليدوية، ومنهم من قرر أن يطور مهارات تواصله مع الأطفال أو استعادة ذكريات طفولته من خلال بعض الألعاب القديمة، ومنهم من نفض الغبار عن كتبه ليعيد إليها الحياة، بل لتعيدها إليه، ومنهم من مارس الكتابة بعد انقطاع طويل، وآخرون اعتبروا الظروف موسماً سانحاً للتطوير فأخذوا يشاركون في الدورات الإلكترونية واحدة تلو الأخرى لتنمية مهاراتهم وإكساب مزيد من العلم.

أنشطة عدة لا حصر لها تلك التي اندفع الناس لممارستها لمجرد حصولهم على سويعات إضافية قليلة يومياً، أو لأيام قليلة في وسط زحام أيامهم، تجعل من الضرورة بمكان مراجعة الكثير في الحياة فيما يتعلق بمسألة إدارة الوقت على المستوى المؤسسي والفردي، ولأن تلك الأنشطة التي نمارسها اليوم ونحظى معها بكثير من المتعة ستنعكس حتماً على طاقاتنا وتجدد نفسياتنا وقدرتنا على العطاء ما أن ينفض العالم مرضه ويستعيد عافيته، صار من المهم التفكير جدياً بعد تلك الأزمة في حلول لإيجاد مزيد من الوقت لممارسة تلك الأنشطة وإثراء الحياة، فإننا بحق بدأنا نحيا من جديد.

* اختلاج النبض:

هواياتنا.. إبداعاتنا.. مواهبنا.. تنفست للتو وبدأت تكشف عن نفسها من جديد في حياتنا، ومجيء فيروس كورونا إلى بني البشر كزائر ثقيل لن يطول أمده، إنما كان محملاً برسالة مفادها عودوا إلى أنفسكم، اصغوا قليلاً إلى قلوبكم.. وكفاكم لهاثاً خلف فوضى الحياة وديناميكيتها المتواصلة.