الرأي

'كورونا' الذي مازلنا نجهله

يوشك فيروس كورونا «كوفيد 19» أن يتحول إلى وباء كوني يهدد الكرة الأرضية كاملة. حالة الهلع التي يسببها انتشاره غير القابل للضبط بدأت تهدد الاقتصاد العالمي في أدق تفاصيله. أحد التقارير الدولية تحدثت أن انتشار الفيروس قد يؤدي إلى أضرار اقتصادية كبيرة مشابهة لنتائج الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم سنة 2008. ولذلك فإن «كوفيد 19» لم يعد في نطاق المرض بل أصبح أزمة عالمية تحاول أكثر من جهة التدخل لردع اكتساحه.

يعيد وباء فيروس كورونا الذاكرة البشرية للسنوات القديمة التي كانت الأوبئة تفتك بعشرات الآلاف من البشر دون أن يتمكن أحد من ردعها. الطاعون، الجدري، الكوليرا، التيفوئيد، وغيرها مما نعلم ولا نعلم من الأوبئة التي كان مجرد اقترابها من أي بلدة يعني الموت المحقق لعدد كبير من سكانها. كانت تلك الأوبئة مجهولة المصدر وعصية عن إدراك أعراضها ولم يكن العالم قد اكتشف عقاراً معالجاً لها، فضلاً عن اللقاحات الوقائية. فيروس كورونا هو سيرة مكررة لتاريخ الأوبئة المجهول الذي يتمكن من الطواف بين الأقاليم دون رادع حتى تتمكن البشرية من اختراع علاج يقزمه ويحوله إلى ذكرى تاريخية.

مع انطلاق موجات الحداثة الأوروبية المتلاحقة كان أحد الأهداف الكبرى للحداثة السيطرة على الطبيعة بالعلم. تلك الطبيعة التي كانت ترسل العواصف والزلازل والأمراض للبشر. وكانت تقيدهم بجبالها وأنهارها ومحيطاتها، كانت سطوتها وسيطرتها ونفوذها هدفا مباشراً للحداثة. وقد تمكن العلم من تطويعها إلى حد بعيد فعلا.

والفيروس «كوفيد 19» يفرض نفسه اليوم كتحد كبير للبشرية. سهولة تجمع البشر وتنقلهم عالمياً جعله غير محصور في دولة أو إقليم محدود. كما أنه أثبت من جديد أن ما أنجزه العلم مازال قليلاً وأن الطبيعة مازالت تمتلك الكثير من الألغاز ومن القوة المؤثرة في البشر. وأنها قادرة على تقييد حركتهم اليومية بتعطيل مؤسسات التعليم ومنع التجمعات والحد من التنقلات والسفر والتبادل التجاري. من أجل ذلك ستذعن البشرية لفترة للطبيعة، وستنصاع لسطوتها إلى أن تتمكن من جديد من مواجهتها واختراق عنصر من عناصر تهديدها.

علينا جميعاً أن نلتزم بإجراءات الوقاية والحد من انتشار الفيروس. بعض الذين يروجون لعنتريات «خرافية» لا معنى لها لن يفيدوا أحداً يتعرض للإصابة بهذا الوباء الذي مازالت أساليب علاجه غير واضحة.

ومن جهة أخرى فإن الجهود التي تبذلها الدولة ممثلة في اللجنة التنسيقية برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد، والتي وجهت وزارات الدولة لاتخاذ إجراءات كبيرة في مكافحة الفيروس وتتبع انتشاره، هي جهود كبيرة وحثيثة تستحق الثناء والالتزام بها.

حفظ الله الجميع وأبعد عنكم كل سوء ومكروه.