الرأي

ثروة معرفية

ندرك جميعاً أننا نمتلك ثروة معرفية عظيمة اسمها «القرآن»، ولكننا تعاطينا مع ذلك القرآن لسنوات طوال بمنطق التفسيرات التقليدية التي قدمها لنا علماء الدين والشريعة، وفي إطار الخطب الدينية الدعوية التي اتخذت قوالب محدودة تتنقل ما بين الدعوة إلى الإيمان وأداء العبادات، وما بين الإخبار بالقصص على سبيل الأمثلة للعظة حيناً، وللترغيب والترهيب أحياناً أخرى. لطالما تعاطينا مع الآيات القرآنية بطريقة التعليم التقليدي في المدارس ومراكز تحفيظ القرآن ومع الخطباء على المنابر بنمطية افعل ولا تفعل، وأغلبها كان يقوم على مبدأ امتثل ولا تفكر.

مازلنا نؤكد أننا أمام ثروة معرفية هائلة لا تقدر بثمن، وأننا مازلنا لم نكتشف بما يكفي تلك الأسرار التي أودعها الله في كتابه، والحكم التي ضمنها آياته، والمعاني والعبر الضمنية غير الظاهرة في كلماته، بل ما هو أعمق من ذلك تأثير كل آية أو سورة على الكون أو بعض موجوداته. لن أعقد الأمر كثيراً، وسأقف على مثال بسيط نعرفه جميعاً، كلنا نعلم أن الآية المناسب استخدامها عندما يصلنا خبر وفاة أحدهم تلك المتضمنة لدعاء «إنا لله وإنا إليه راجعون»، وكلنا ندرك أن آية الدعاء المستجاب تلك المتضمنة دعوة نبي الله ذي النون «لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»، وأن السورة المستخدمة لتحصين البيوت هي سورة البقرة، وأن أبرز سور الرقية الشرعية المعوذات، ويقاس عليها كثير من الآيات التي تستخدم لأغراض مختلفة، للاستشفاء، للقاء العدو، للتوكل على الله، للدعاء بالذرية الصالحة، للاستغفار، ولكثير من الأغراض الأخرى. ولكن يبقى أننا تعاطينا لسنوات طوال مع تلك الآيات بإملاء الفعل المناسب، وكأننا نتعامل مع دليل إرشادي جامد، والقرآن ليس كذلك بالطبع.

لن أطيل المسألة أكثر، ولكن ما أريد الوقوف عنده، أن ثمة كتباً جديدة وملهمين جدداً قد برزوا في البرامج التلفزيونية أو على اليوتيوب أو حتى في بعض الدورات التدريبية، قدموا القرآن الكريم كثروة معرفية في أطر إلهامية وتحليلية مبدعة، تفند النص وتبحث فيما وراء النص، وتدرس تأثيراته بالقياس على أبعاد التأثير المختلفة بفهم الغايات والمقاصد وليس الوقوف على الأمثلة البارزة والشواهد التي لا يحتاج التعاطي معها بذل أي مجهود ذهني أو إدراك عالٍ، ولعل هذا ما نحتاج إليه فعلاً في التعاطي مع تلك الثروة المعرفية الهائلة.

* اختلاج النبض:

نحتاج أن نبحث لأوجه القرآن في منظور العلوم، ليس على سبيل الفحص والتحقق من صحة ما فيه فمسألة الإيمان بالقرآن من المسلمات الثوابت، ولكني أقصد البحث عن الدروس والعبر والأسرار الكامنة في القرآن، والتي يمكن أن تبث للبشرية لتحقيق قفزة نوعية حقيقية في الإدراك والوعي البشري من وحي الثروة المعرفية الربانية.