الرأي

'الملالي' يعترف بإسقاط الطائرة

تأكيد النظام الإيراني بأن الطائرة الأوكرانية التي راح ضحيتها نحو 180 شخصاً في نفس الوقت الذي بدأت فيه عملية الانتقام لمقتل قاسم سليماني لم تسقط بصاروخ كان أمراً طبيعياً، فلو أنه أقر بذلك في حينها فإن هذا يعني أنه يقر أيضاً بأن صواريخه التي قال إنها استهدفت قاعدتين أمريكيتين في العراق ليست دقيقة كما يدعي. لهذا كان من الطبيعي أن يستمر المعنيون في هذا النظام في عملية الإنكار ورفض كل الاتهامات التي تقول إن الطائرة سقطت بفعل صاروخ إيراني ضل طريقه وتسبب في الكارثة، لكنهم لم يتمكنوا من مواصلة الكذب بعد أن وجدوا أنه لن يوصلهم إلى مفيد وأنه حتى الذين ظلوا يصدقونهم لسبب أو لآخر سيقررون أنهم كاذبون وسينفضون عنهم. لهذا اعترفوا ولم يبق أمامهم سوى التبرير الذي لا يختلف اثنان على أنه سخيف جداً، إذ ماذا يعني إسقاط طائرة تسير في مسارها بعد إقلاعها من المطار مباشرة؟ وما علاقة مرورها بالقرب من مقر للحرس الثوري بذلك؟

في البدء كان يمكن تصنيف كل التصريحات التي صدرت عن النظام الإيراني والعديد من الدول وخصوصاً الولايات المتحدة وكندا في باب التكهن والعمل السياسي، وما كان يمكن أن يفصل في اتهام تلك الدول لإيران ونفي إيران تورطها في الموضوع سوى الصندوقين الأسودين. الآن لم يعد هناك حاجة لشهادة الصندوقين فقد اعترف النظام الإيراني بحماقته وقال بصريح العبارة إن ما حدث كان غباء من أحد المنتمين إلى الحرس الثوري الذي قدر في لحظة أن النظام في خطر بسبب مرور الطائرة بالقرب من مركز للحرس الثوري فقرر قتل من فيها بضغطة زر.

مسؤولو النظام الإيراني كانوا يقولون بثقة إنهم متيقنون من أنهم لم يسقطوا الطائرة، وظلوا ينفون الاتهام الذي كان واضحاً أن الدول التي أطلقته كانت واثقة من أن الطائرة أسقطت بحماقة من حماقات النظام. الجدل استمر وظل النظام الإيراني على رأيه وموقفه ونفيه والإصرار على أنه صادق وأنه لا يرتاب في كلامه إلا معادوه ومن يتخذون منه موقفاً سالباً، لكنه في نهاية الأمر لم يجد مفراً من الاعتراف ولم يعد أمامه سوى التبرير الذي لن يعيد الضحايا إلى الدنيا أياً كان حجم التعويضات وشكل الاعتذار.

مشكلة النظام الإيراني أنه يدعي الكمال وأن صواريخه تسمع كلامه وتطيع أوامره ولا يمكنها أن تتمرد عليه وتخذله فتضرب أهدافاً غير التي تم تحديدها لها بغية «تركيع» الولايات المتحدة!

العالم، كل العالم، ظل يميل إلى أن النظام الإيراني متورط في إسقاط الطائرة، والسبب هو أن هذا النظام ظل على مدى الأربعين سنة الماضية يكذب ويكذب، ولا يمكن للعالم أن يصدق من سبق أن كذب عليه وملفه مليء بالأكاذيب. لهذا لم يكن مفاجئاً اعترافه بإسقاط الطائرة، ولم يكن مفاجئاً أيضاً ادعاؤه بأن الحرس الثوري اعتقد أنها طائرة معادية.

اعتراف النظام الإيراني بعد نفي شديد وبعد توظيف كل الأعوان للقول بأنه لا علاقة له بسقوط الطائرة تأكيد على أنه استمرأ الكذب وليس مهماً عنده لو أن العالم كله لم يصدقه. أما ما سيحدث في الأيام التالية فهو أن النظام الإيراني سيعمد إلى افتعال موضوعات تحدث ضجة بغية التغطية على موضوع الطائرة المنكوبة وإشغال الناس عنه، فهذا هو أسلوبه المعتاد في مثل هذه الأحوال، وبالطبع فإن الميليشيات التي أنشأها في العديد من الدول ستبذل ما يلزم من جهود لمساعدته في ذلك وخصوصاً «حزب إيران في لبنان» وأمينه العام الذي لن يتوانى عن الخروج لإلقاء كلمة في هذا الخصوص وتبرير ما حصل والثناء على قرار الاعتراف!