الرأي

لحظة بكاء غسان بن جدو

أربع ساعات متواصلة قضاها رئيس فضائية «الميادين» غسان بن جدو في استديو البث المباشر الذي ولج إليه فور انتشار خبر مقتل قاسم سليماني ومن كانوا معه فجر الجمعة في طريق مطار بغداد في غارة أمريكية. خلالها قاوم دموعه التي لم تسعفه نظارته في إخفائها وظل طوال تلك الساعات متأثراً ويتحدث بانفعال وبصوت مرتعش ودافع بكل ما أوتي من قوة عن أسباب تواجد سليماني في العراق وأسباب تواجده من قبل في سوريا ولبنان، واجتهد في الدفاع عن موقف النظام الإيراني، واستمر محرضاً إياه على سرعة الرد على اغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس وأبو المهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي. ولأنه أحس بأن ظهوره بتلك الكيفية والكثافة في مثل تلك الساعة مبالغ فيه ويفسر بأنه تعبير عن تأثره الشديد وحزنه على مقتل سليماني قال «نحن في غرفة أخبار الميادين خلية نحل دائمة ووجودي شخصياً أمر طبيعي»!

طبعاً لمن لا يعرف فإن الجنرال قاسم سليماني يعتبر حسب تعبيرنا الدارج «ولد خامنئي»، فهو الأقرب إليه والأشد حباً له حتى أن البعض ظل يعتقد بأنه سيورثه منصبه أو ينصبه رئيساً بعد روحاني، وهو ما أكده بن جدو أيضاً في «استضافة» فضائيته له حيث تحدث عن إبلاغه ذات مرة بأوامر خامنئي بسرعة العودة من المطار وعدم التوجه إلى تركيا التي كان يعتزم السفر إليها بعد تبين احتمالات تعرضه للخطر.

يؤكد كل ذلك سرعة إصدار خامنئي بياناً ينعى فيه سليماني ويصفه بأنه رمز دولي للمقاومة ويتوعد فيه الولايات المتحدة ويؤكد بأن «كل عشاق المقاومة سيطالبون بدمه» ويقول بأن انتقاماً قاسياً سيواجهه المتورطون بقتل سليماني ومن كانوا معه.

فضائية «الميادين» وكل الفضائيات التابعة للنظام الإيراني ركزت في تغطيتها للحدث على أن الرد الإيراني آتٍ لا محالة وأنه سيكون قاسياً ومراً وأن مرحلة ما بعد مقتل سليماني ليس كما قبلها، وعمدت إلى إبراز تصريحات المسؤولين الأمريكيين وغير الأمريكيين والتي ملخصها أن «ترامب ألقى إصبع ديناميت في برميل بارود» كما قال المرشح الرئاسي المحتمل جو بايدن تعليقاً على مقتل سليماني.

بن جدو وفضائيته والفضائيات «السوسة» الأخرى ركزت كثيراً في تغطيتها خلال اليومين الماضيين على مسألة أن تواجد سليماني و«الخبراء الإيرانيين» في العراق تواجد شرعي وأنه بطلب من الحكومة العراقية وأن تواجده من قبل في لبنان وسوريا كان أيضاً تواجداً شرعياً لأنه كان بطلب من حكومتي هذين البلدين. والمقصد هو الرد على كل من قد يقول بأنه ما كان ينبغي لسليماني أن يتواجد في العراق وأن ما حدث له متوقع كونه متواجد في مكان لا علاقة له به، ففي العراق رجال يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم ضد القوات الأمريكية وغيرها.

تلك الفضائيات اهتمت أيضاً خلال اليومين الماضيين بنشر فكرة أن سليماني كان مدافعاً شرساً عن فلسطين وأنها كانت بوصلته وأنه ظل باستمرار هدفا لإسرائيل التي لم تورط نفسها في اغتياله من قبل رغم إمكانية قيامها بذلك لإدراكها بأن انتقام النظام الإيراني و«محور المقاومة» سيكون كبيرا وخطيرا ومرا وأن.. مرحلة ما بعد اغتياله ليست كالمرحلة السابقة لها.

بن جدو وأمثاله في الفضائيات الأخرى الممولة من النظام الإيراني ركزوا أيضاً على أن الرد الإيراني آتٍ لا محالة وأنه سيكون رداً قوياً يجعل ترامب يأسف على اتخاذه قرار تصفية سليماني والمهندس، وأن ما قامت به الولايات المتحدة لم يكن إلا تعبيراً عن «عجزها»!

التصعيد في المنطقة أمر خطير وهو ليس مطلباً لأنه يزيد من حالة عدم الاستقرار، لكن ترك الأمور على حالها أيضاً لا يوفر الاستقرار في المنطقة.