الرأي

الموقف الخليجي في ليبيا

في زمن القذافي لم يكن هناك حديث في ليبيا إلا الثورة، حيث لم يسمح بمؤسسات مجتمع مدني، ولا هياكل سياسية أو اجتماعية، حتى إنه مزق تقارب القبائل في مجتمع ليبيا القبلي، وعندما هوى النظام هوت الحياة المدنية متشظية، فلم تكن هناك هياكل ينضوي تحتها الشعب إلا الميليشيات التي ظهرت كالفطر فجأة. في ذلك العهد لم يكن الخليجيون والليبيون في نفس المعسكر، فقد كان العقيد الثوري يرى أنه هو التقدمي ونحن الرجعيون، وكان مرتبطاً بالمعسكر الشرقي ونحن مرتبطون بالغرب. وبنفس النهج تتم الآن عملية شيطنة دول الخليج، حيث نوصف بكل الموبقات في قاموس طرفي الأزمة بحكم وجودنا كخليجيين على طرفي الأزمة.

والتقرب الخليجي -في تقديرنا- يفتقد تجاه ما يجري في ليبيا إلى الاستجابة المرنة، ويمكننا تفهم اختلاف المواقف الخليجية حيال تعاطي الأزمة بين مؤيد لأحد الطرفين إلى محايد إيجابي، إلى محايد سلبي، وهو اختلاف تتجاوز محركاته بساطة الصح والخطأ والقانوني والشرعي، بحكم أن أغلب المواقف في العلاقات الدولية في جلها مصلحية. والمقلق أن المواقف المختلفة في ليبيا تنعكس على الأزمة الخليجية وتزيد تعقيدها. مما يوجب إعادة النظرة الخليجية الشاملة والتخلي عن تحقيق المكاسب القصيرة الأمد التي لا تصمد لبناء هدف استراتيجي خليجي. كما أن بروز جيل جديد من الزعامات الخليجية الطموحة قد مهد لخلق دور للخليج في إدارة مطبخ الجامعة العربية، بدل ترك الأمور بيد القائمين على مؤتمر لليبيين في ألمانيا. بل إن دول الخليج وبوجود الكويت كعضو غير دائم في مجلس الأمن حالياً يعطيها الفرصة للعب دور المحرك لحل الأزمة الليبية في الأمم المتحدة بدل تركها في يد القوى الأجنبية. فقد وفقت دول صغيرة في استصدار قرارات حاسمة لأنها نجحت في توظيف الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي لبلوغ ما تريد.

إن انتقال المشهد السوري لليبيا وارد، فالأطراف المشاركة في ليبيا كان أغلبها في سوريا ولا يمكن تجاوز حقيقة أن ليبيا تشبه دول الخليج في أوجه كثيرة، ليس فقط بنفطها وصحرائها ونظامها القبلي، بل وأطماع الغرب وطموح دول الجوار في خيراتها، لذا قد تكون قفزات العنف القادمة من ليبيا في أطراف الثوب الخليجي.

إن المرونة الغائبة هي أن تنخرط الدول الخليجية في الأزمات متجاوزة حقيقة موقع «الدول الصغيرة» في النظام الدولي، حيث إن جُلَّ اهتمامها يجب أن ينصب على درء المخاوف الأمنية. فتبعات التمرد الخليجي على كونها دول صغيرة يجعلها ضحية الدول الكبرى التي اعتادت تحديد الأدوار والسياسات بإشعال حريق ودفع الدول الصغيرة لتكون وقوده حتى يتحقق الهدف، فتخمد الدول الكبرى الحريق برماد الدول الصغيرة.

* بالعجمي الفصيح:

وحّد عمر المختار قبائل ليبيا كلها، فيما عاش القذافي مستثمراً خلافاتها، وهو نفس السيناريو الذي تكرره القوى الأجنبية الآن في خلق ما يقسم الليبيين عبر زعامات ليبية، مما يوجب على الخليجيين أن يمثلوا دور عمر المختار لتوحيد الليبيين بمبادرة خليجية، ربما كويتية.

* كاتب وأكاديمي كويتي