الرأي

أبوظبي تدعم استمرار الهوية الثقافية العربية عالمياً

وأنت تتابع مراحل تطور برنامج شاعر المليون وما وصل إليه من مستويات لابد أن فكرك سيثار بعدة تحليلات ستجعلك تدرك ما تحتاجه الساحة الشعرية لكي تستمر وتتطور وتتمكن من استقطاب حتى اهتمامات الجيل الناشيء الذي قد يكون نشأ في بيئة مختلفة عن البيئات التي تهتم بترديد الشعر وتداوله.

قبل التطرق لها لابد أن نقدم لمحة بسيطة عن شاعر المليون لمن يجهله فهو برنامج مسابقات للشعر النبطي جاء بفكرة من ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وانطلق بتنفيد من المغفور له بإذنه محمد خلف المزروعي عام 2007 ويبث على قناتي الإمارات وبينونه ويتضمن البرنامج عدة مراحل منها القيام باختبارات للشعراء المتقدمين للانضمام إلى البرنامج والنجاح في الدخول ضمن قوائم الشعراء ثم المقابلات والتحكيم من خلال قيام لجنة تحكيم متخصصة وأعضاؤها من رواد الشعر والأدب العربي بعدة جولات في عدد من الدول الخليجية والعربية.

ويهتم البرنامج بأن تتضمن قصائد الشعراء المشاركين الإمكانيات الشعرية العالية المستوى وأن تحوي أفكاراً وصوراً أدبية وبلاغية تحمل حساً إبداعياً وتضيفاً للساحة الشعرية العربية كما أنهم يهتمون بأن تكون القصائد الشعرية قائمة على 8 تفعيلات و111 وزناً ويقدم البرنامج جوائز مالية قيمة ضمن المراكز الستة الأولى، حيث يحصل الفائز بالمركز الأول على لقب شاعر المليون، و5 ملايين درهم إماراتي، والفائز بالمركز الثاني يحصل على 4 ملايين درهم، والثالث 3 ملايين درهم، والرابع مليوني درهم، والخامس مليون درهم، والسادس 600 ألف درهم، وأصبح هذا البرنامج بمثابة المحكم الأول في الوطن العربي لانطلاقة الشاعر في هذه الميادين.

علينا نقر أن الشعر في العالم العربي لم يكن بأحسن حال قبل عدة سنوات من ظهور هذا البرنامج الذي أعاد إحياءه كما علينا أن نعترف ونقر أن ساحة الشعر كانت في تراجع تقترب من الاندثار وذلك لعدة عوامل، أهمها تراجع الاهتمام باللغة العربية وتحديداً الشعبية أمام توجه الجيل الناشيء إلى استخدام اللغة الإنجليزية وتعلمها حتى في حياته اليومية، وأمام تراجع ثقافة المجلات والجرائد وحتى ثقافة القراءة باللغة العربية والكتابه بها، كما أن منصات الكتابة تغيرت تماماً وتحولت ساحات المنتديات والمجلات إلى منصات التواصل الاجتماعي، وأصبح الجيل الناشيء لا يحبذ القراءة بالأسلوب الأدبي المحكم «الثقيل والعميق كما يقال» بل يتجه ويهتم باستعمال اللغات المعربة البسيطة والمصطلحات المختلطة باللغات الأجنبية والمتأثرة بها والشعر النبطي أكثر تأثراً من الفصحى، لذلك ولأسباب أهمها أن الشعراء عموماً يهتمون بالفصحى أكثر لكونه يتصدر الساحة العربية أكثر وبإمكان الشاعر الوصول إلى أي بلد عربي من خلاله عكس النبطي الذي في بعض الدول قد يجدون صعوبة في استيعاب معانيه ومصطلحاته الدارجة نظراً لاختلاف الثقافات والبيئات مع العلم أن الشعر الفصيح أصعب بكثير من الشعر النبطي بسبب الحاجة إلى اللغة السليمة والقوية وأوزانه الصعبة والمحكمة وعدم القدرة على تجاوز وتخطي ضوابطه وتشديد الالتزام بصوره وأحكامه عكس النبطي.

عضو لجنة التحكيم د. غسان الحسن تطرق لموضوع مهم للغاية دعمه كلام نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي عيسى سيف المزروعي عندما ذكر أن ساحة التواصل الاجتماعي قد غيرت مفهوم الشعر حيث ذكر الحسن بالسابق كان بعض الشعراء يظلمون ويعانون من التهميش بسبب وجود نوع من المحسوبيات في بعض المجلات حيث لا يجد سبيلاً للظهور من خلال المنابر الموجودة في المجلات بل بعضهم كان يستهزىء به عندما يلقي قصيدة أو يكتبها فجاء البرنامج لدعم إمكانيات الشاعر وتطويرها.

من الحقائق المؤكدة أن برنامج شاعر المليون أوجد عدة مكاسب للشعراء أولها الاعتراف للشاعر المشارك أنه شاعر متمكن ومبدع وأن الأبواب المغلقة مفتوحة له هنا على مصراعيها دون الوقوف عند مستوى وجمهور المجلات بل بإمكانه أن يصل جماهيرياً على كافة المستويات ولجميع الشرائح من الجمهور شرط أن تكون الموهبة والإمكانيات الشعرية حاضرة لديه، كما أنه يحصل على ملاحظات ونقد يبين له نقاط قوته وضعفه ويطور مهاراته ويلقنه العديد من المعارف الشعرية التي قد لا يتمكن من الحصول عليها في بيئته الشعرية المحلية، وهذا يعكس أن البرنامج أوجد بصمة بالإمكان توثيقها وتأريخها للمستقبل العربي القادم أن أبوظبي كانت نقطة انطلاقة للعديد من رواد الشعر بنوعيه الفصحى والنبطي.

يقول عضو اللجنة الاستشارية لبرنامج شاعر المليون تركي المريخي إن شعراء الفصحى كانوا ولا يزالون في برج عالٍ وشاعر الفصيح يلتصق باللغة الأم لذا يصل أسرع كما ما أبداه عضو لجنة التحكيم الدكتور غسان الحسن أن الشعر النبطي والفصحى موجودان من ألف سنة ولم يحدث يوماً أن أثر أحدهما على الآخر، لكن شعراء الفصحى اتجهوا للتجديد فيما النبطي اهتم باستكشاف وإبراز الأبعاد الثقافية العربية، وقد يرى البعض أن الاهتمام بشعر الفصحى قد يكون طاغياً ويشغل حيزاً أكبر عند جماهير الشعر من النبطي على مستوى الوطن العربي، وذلك يعود لعامل الانتشار، وأن اللغة العربية الفصحى، بإمكان أي مواطن عربي فهمها واستيعابها، كما أن هناك دولاً عربية تهتم بالفصحى أكثر، وبكل ما يتعلق بها، إلا أن هذا لا يعني أن هناك بيئات في دولنا لا تزال ترى ان تداول الشعر في مجالسهم مثل تناول الشاي والقهوة اليومية فلا تحلو التجمعات إلا بترديد الأبيات الشعرية والتنافس على الرد فيما بينهم بأبيات الشعر والقصائد والاهتمام بأن ينشأ أبناؤهم على هذا النمط كما أن النبطي هو الأقرب عند العديد من جمهور الشعر، ويصل بشكل أسرع من الفصحى، بل أن البعض يحبه لأنه عرفه من خلال أغاني المطربين.

الشعر العربي عموماً جزء من تراثنا وثقافتنا على المستوى العالمي، ولعله أبرز الملامح الثقافية والحضارية لدولنا، ويعتبر من القوى الناعمة، التي ساهمت في الترويج عن الجانب الثقافي للدول العربية عند الغرب، بل ويعتبر توثيقاً وخير شاهد ودليل على الأمجاد والبطولات العربية والمواقف التاريخية، التي غيرت مسار العالم، والاهتمام به ليس من الترف والكماليات بل ضرورة ملحة جداً لاستمرار هويتنا العربية والثقافية.