الرأي

حيوانات بشرية مبتكرة

قبل فترة وجيزة لم تتجاوز أسابيع، قادتني التقنيات الحيوية الجديدة إلى دروب عدة ومجالات متشعبة فرضت نفسها للحديث حولها مرتبطة بتلك التقنيات بصورة مباشرة وغير مباشرة، لتغطي تحدياتها، انعكاساتها، آفاقها، لاسيما ما ارتبط بالحديث عن تقنية «كريسبي كاس» التي شمل الحديث عنها أبعاداً بيولوجية واجتماعية وسياسية واقتصادية وقضائية وأيضاً ميثولوجية.

ولمن لا يعرف الميثولوجيا، ألخصها بكلمة الأسطورة، التي تناولت الحديث عنها في مقال كامل منفرد على سبيل الخيال العلمي، وكيف أن تقنية كريسبي كاس تلك قد تحيي حلم الأساطير وإعادة خلق الشخصيات الأسطورية، وكنت وقتها أحسب أن الأمر ما زال في إطار الخيال العلمي الواعد كون ما زالت هذه التقنية مقيدة في إطار المسؤولية الأخلاقية لدى العلماء والباحثين.

الصادم في الأمر بعد محاولات صينية -يزعم أنها شخصية وخارجة عن القانون- والمتمثلة بتطبيق أحد الباحثين تلك التقنية في التعديل الوراثي لجين توأمين قبل حدوث عملية الحمل والتلقيح الصناعي، لتكون تلك الحالة الإنسانية الأولى الخاضعة للتعديل الوراثي قبل الولادة ما يعني تغيير البصمة الوراثية على نحو قابل للتوريث وليس التعديل على المستوى الفردي وهو ما يعني أن أي خلل أو تحسين سيفضي إلى النقل للأجيال القادمة.

اليوم، تصدمنا اليابان بشأن تجربة أكثر خطورة، لتعبر عنها إحدى وسائل الإعلام بالقول إن اليابان، بقرارها المتخطي للحواجز الأخلاقية والحواجز التنظيمية العالمية «تصبح أول دولة تسمح رسمياً باستخدام الهندسة الجينية في إنشاء أجنة حيوانية بخلايا بشرية، الأمر الذي يسمح بخلق كائنات حيوانية بشرية تذهب لإحياء الكثير من الأساطير»..!!

في الحقيقة، أن البحث العلمي في هذا السياق استغرق كثيراً من التجارب على مدى عقد من الزمن، وقد شملت التجارب ابتكار «أجنة أغنام وخنازير ممزوجة بخلايا بشرية»، أما الجديد في الأمر، فيتمثل بسماح الحكومة اليابانية بولادة تلك الأجنة «لتظهر إلى الوجود حيوانات بشرية تتنفس وتعيش».

* اختلاج النبض:

ما بين تحديات المسؤولية الأخلاقية للطب وطموح البحث العلمي لتحقيق منجز جديد من جهة وخدمة البشرية والارتقاء بالعلم إلى درجات سلمه العليا، يقع العلماء والباحثون في كثير من المآزق والتوترات والمجاذبات، بينما ما يمكن تنفيذه، وما يتمنون الوصول لتحقيقه، وبين خشيتهم الوقوع في المحظور على عدد من الأصعدة الأخلاقية والتقنية التي قد تفضي إلى كثير من المشكلات الاجتماعية والدينية فضلاً عن أن ذلك قد يفضي لتهديدات عدة تتعلق بمصير البشرية وتركيبة الخلق نفسه التي قد تختلف على نحو غير معلوم، ولا يمكن استشرافه أو تخمينه في مسارات محددة مضمونة.