الرأي

ذكرى عطرة من تاريخ البحرين

الفنون الموسيقية الشعبية، كان بعضها يمارس في دور الغناء الخاصة بالرجال أثناء الليل فقط، فهناك دار محمد بن فارس ودار ضاحي بن وليد، ودار بن جناع بالمحرق، ودار سلطان وجدي وعنبر طرار وعبدالعزيز بورقبة في المنامة، وتنشط هذه الدور في فصل الشتاء، وهو الفصل الذي لا غوص فيه، وأسميه فصل الراحة أو العطلة السنوية لأولئك الرجال الذين قام اقتصاد البحرين على عائد ما يجنونه من حصاد اللؤلؤ، بعد جهد جهيد، وتضحيات جسام، ومع ذلك لا يقضون النهار نياماً، بل كل واحد منهم يمتهن عملاً يجني منه دخلاً لئلا يمد يده لأحد أو يستجدي، كل منهم يملك كرامة نفسه، فترى من يمتهن قص الحجر من البحر "الحجارون"، وأشهر مكان من جهة المنامة شمالاً جادوم، ومن جهة المحرق فهناك بيئة بحرية لقطع الحجر تسمى "اليرفة"، بما أفادني به المرحوم الأستاذ حسن نصف، كما أن بعضهم يجمع الرمل من السواحل ومنهم من يجلب الفروش "رقائق حجرية كالصحائف تسمى الفروش من رأس البر وجنوب الممطلة"، ويعرضون تلك المواد للبيع في أماكن مخصصة، وتستعمل في البناء.

أهل تلك الدور، حافظوا على فنون الغوص، لذلك لم تندثر، وأصبح فناً يعشقه الفنانون المحدثون ويطربون أهل البحرين به وأبناء الخليج العربي.

ومن الذين حافظوا على الفن البحري المرحوم محمد زويد، والنهامان بوطبنية والعلان.

أما في أواخر الثلاثينات، نبغ مطربون جدد أدخلوا آلات الطرب الحديثة مثل الكمان وغيره إلى جانب العود والمرواس، مثل يوسف فوني وعلي خالد وأخيه وعبدالله أحمد، وسالم الصوري وعبدالله بوشيخة، وعيسى بدر، والثنائي عيسى محمد جاسم المالكي وأحمد الفردان، والفنان أرحمه الذوادي، ومارس الطرب أيضاً إبراهيم جاسم سليم، ذلك جيل مضى، ثم جاء جيل جديد توجه إلى مصر بالذات وغيرها لدراسة الموسيقى في كليات متخصصة، ونبغ منهم الفنان الدكتور مبارك نجم، والفنان أحمد الجميري، وشقيقه، وخالد الشيخ، والفنان الموسيقي محمد جمال، والمايسترو وحيد الخان، وآل زمان، وغيرهم، مع تقديري لمن لم أذكرهم إلا أن لكل منهم بصمة في الفن البحريني، شاكراً للسيد سعد سلطان سالم زايد على كل ما قدمه لي من مساعدة، وللنساء البحرينيات بيوت حافظن فيها على التراث البحريني الغنائي خاصة لأفراح الزواج، مثل الخضارية وفرقة العاصفة وطيبة الفيروز وهبة وأم زايد مع شكري لزوجتي أم عبدالعزيز التي ذكرتني بأسماء هؤلاء النسوة الكريمات.

تلك كانت مقدمة للموضوع، ألا وهو ذكرى عطرة من تاريخ البحرين.

عندما تولى المغفور له صاحب السمو الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة رحمه الله تعالى رئاسة الشرطة قبل الاستقلال، سن سنة حميدة وهي أن كل صباح يوم خميس، تنصب له منصة أمام مكتب البريد القديم إلى الشمال من باب البحرين ويكون رحمه الله بزيه العسكري، وتمر من أمامه الفرقة الموسيقية التابعة للشرطة، وهي تصدح بألحانها التي تشنف آذان الجمهور المصطف على جانبي شارع الحكومة.

والمستشار بلجريف كان يقصد الحديقة المائية مساء كل جمعة قبل الغروب، ويجلس في الاستراحة المعدة له، وتمر الفرقة الموسيقية أيضاً التابعة للشرطة من أمامه مرددة ألحانها ومشيتها العسكرية، ثم تقوم الفرقة بجولة في أرجاء الحديقة، والجمهور في غاية الفرحة والاستمتاع بين بحيرتي الحديقة المكسوة بالنخيل والأشجار والزهور.

قبل تفكك الاتحاد السوفيتي، قصدت مع زوجتي تشيكوسلوفاكيا للعلاج بالتحديد في مصحة بشتني الجميلة المشهورة بالمياه المعدنية والعلاج الطبيعي، هناك وفي عطلة الأسبوع وهو يوم الأحد عندهم، توجد حديقة كبيرة يقصدها المواطنون والزوار من أنحاء العالم، تجد فرقاً موسيقية منتشرة في هذه الحديقة ترفه عن المواطنين والزوار في عطلة الأسبوع، والناس جلوس على الكراسي، وكأنهم في مسرح مفتوح.

البحرين بلد سياحي من الدرجة الأولى، فلماذا لا نسمي مساء كل جمعة وسبت فرقاً موسيقية تعرض فنونها في باب البحرين وعين عذاري والحديقة المائية "إذا تم تجديدها إن شاء الله"، وحديقة خليفة الكبرى في الرفاع الشرقي ومسرح روضة الحنينية وشارع اللؤلؤ وجزر حوار وبلاج الجزائر ودوحة عراد وأمواج وغيرها من الأماكن السياحية، فمثل هذه الاحتفالات تشكل جذباً سياحياً منقطع النظير، والزائر لنا سيتحدث عنا ويقول شعب البحرين شعب راقٍ يهوى الفن ويعشق الحياة، ويجدد تراثه الماضي ويربطه مع حاضره السعيد، إنها فكرة، أرجو أن تتبناها الجهات المسؤولة عن ترويج البحرين سياحياً.

* مؤسس نادي اللؤلؤ، وعضو بلدي سابق، وناشط اجتماعي