الرأي

معرض التوظيف الهندي

في بلد يتصدر قائمة أفضل الدول للمغتربين يحدث أن تقيم جالية أجنبية هي الهندية معرضاً لتوظيف المنتسبين إليها علناً في وقت يشهد مطالبات شعبية بتوفير فرص عمل أكثر لأبناء البلد الذين يقضي بعض من خريجيها مدداً طويلة بحثاً عن ثبات الرزق «والأرزاق بيد الله سبحانه». الجماعة المغتربون فهموا المرونة والترحيب على أنه ضوء أخضر من الناس المتسامحة لاستفزازهم بهذه الخطوة الجريئة والتي لا تدل إلا على أنهم «فاهمين غلط»!

معرض التوظيف العلني والاستفزازي ينذر أن الجاليات وبسبب مرونة الحال بدأت تتحرك في مجالات حساسة وبأريحية تامة ودون اكتراث بالمزاج العام. وهنا ناقوس خطر يدق يبين أن الوضع يجب معالجته فوراً.

فحتى بعض الدول الغربية التي سمحت لنفسها أن تكون مباحة للجميع لا تسمح بأي شكل من الأشكال أن يتم الإعلان عن وظائف تخص فئة أو عرقاً أو جنساً معيناً «على الأقل في الظاهر» فما بالكم بمعرض علني للتوظيف يخص فئة وعرق معين وفي بلاد الغربة؟

لم نسمع مثلاً عن معرض توظيف للبولنديين فقط في لندنـ ومن شبه المستحيلات أن يتم تنظيم معرض توظيف خاص بالمكسيكيين فقط في الولايات المتحدة الأمريكية. ليس الآن. وليس في ظل تغير يشهده العالم - ستأتينا رياحه شئنا أم أبينا - حول قضايا تتعلق بتعريف معنى الدولة وقضايا المهاجرين والحدود المفتوحة والعولمة وتأثيراتها.

هل جاء المعرض الغريب نتيجة زيارة رئيس الوزراء الهندي الأخيرة؟ هل حصل نوع من الاتفاق على أن يبدأ الأصدقاء في الجالية الهندية في التعامل مع ملف توظيف الهنود مثل ما تتعامل الدولة مع ملف توظيف أبنائها بحيث يباح لها إقامة معارض التوظيف الخاصة بها؟

أتمنى غير ذلك.

الكل يعلم أن الجاليات بلا استثناء تعمل عادة و«بالسر» على تسهيل البحث عن عمل للمنتسبين إليها في البحرين وغيرها، فهذا أمر معروف ويكاد يكون عرفاً متبعاً، فهذه طريقتها للبقاء والاستمرار في كل مكان. فالأندية والجمعيات والتجمعات التابعة للجاليات كلها عبارة عن شبكات توظيف غير معلنة.

إضافة إلى ذلك فإن المتعارف عليه ومن خبرة ممتدة لعقود في التعامل مع الجاليات الأجنبية، نرى أن الزوج يبحث لزوجته عن وظيفة ويبحث لأخيه عن وظيفة ويبحث لصديقه، وهكذا كي يثبت في البلد قدر المستطاع، فإذا تم تسريحه عن عمله تبقيه زوجته في البلد أو أخوه أو صديقه حتى يجد فرصة عمل أخرى. والشركة الأجنبية تبحث عن أبناء جلدتها لإدارتها كي تضمن الولاء والمحافظة على الأسرار والموظف الأجنبي إذا أتيحت له الفرصة يبحث عن أبناء بلده ليساندوه على بقائه في العمل.

لكن هل الزمان مناسب لاستمرار هذا العرف سراً وعلناً؟ هل نقبل أن يستمر هذا الوضع في ظل سخونة ملف توظيف البحرينيين الذين إذا ظل بعضهم في البيوت وغيرهم يتنقل من وظيفة إلى أخرى بسهولة ويسر -بل وتقام له معارض التوظيف- سيصيبه انكسار وإحباط وبلا شك غضب؟ هل الوقت مناسب ونحن نشهد ونرى خطوات جادة من جارتنا الكبيرة المملكة العربية السعودية تتجه نحو توطين بعض الوظائف؟

الجالية الهندية وحسب آخر الأرقام وصل عددها إلى 400 ألف! وهي أكبر جالية في البحرين وثاني أكبر مكون بعد المواطنين ولها تواجد في جميع الأعمال صغيرة كانت أو كبيرة ويتم التعامل معها دولة وشعباً بكل تقدير واحترام عرفاناً لمجهوداتها الكبيرة والمشهودة. لكن حذارِ من أن تفهم هذه المعاملة الرائعة أن البلد والناس مهما كانت حاجتهم لعلاقات متينة معها ومع غيرها، ومهما كانت حاجتهم للمجاملة وبغض النظر كي تسير الأمور دون منغصات، أنهم سيقبلون بأن يركن المواطن من أجل غيره، وأكرر، خاصة الآن وفي هذه الأيام.

ختاماً أدعو إخواني البحرينيين إلى تأسيس نادٍ اجتماعي بحريني في الهند «وبلدان أخرى إن أمكن»، على أن يكون أول نشاطاته إقامة معرض توظيف علني للبحرينيين فقط في الهند، خاصة وأن هذا البلد أصبح من الدول الصناعية والتجارية الكبيرة ويوفر فرص عمل برواتب جيدة، ولن يضره بالتأكيد الاستعانة ببضعة آلاف من البحرينيين الشطار.