الرأي

لو يترك الناس.. الناس!

لنحصر أحاديثنا في مجالسنا اليومية، سنجد أننا إما نناقش أموراً ليس بيدنا تقرير مصيرها، مثل الأمور السياسية في مقام أول، أو أمور عالمية متغيراتها خارجة عن إرادتنا، لكن الأسوأ حينما نكتشف بأن كثيراً من أحاديثنا منصبّة على «الناس».

نعم الناس، وكثيرون منهم لا يكونون حاضرين في ذات المجالس، والأحاديث الدائرة بشأنهم لا تتعدى كونها «تدخلات» في حياتهم وخصوصياتهم، وكثير منها أحاديث تأتي بشكل «تشهير» أو «غيبة» أو «تشويه صورة».

هذا واقع للأسف، بعضنا قد يمارسه دون قصد، أو بسبب مشاركته في حديث يثيره شخص أو اثنان، لو سبرت أغواره ودوافعه، ستجد هؤلاء الأشخاص يكنون مشاعر مختلطة بشأن البشر الذين يتم «أكل لحمهم» وهم أحياء.

قديماً قيل في أحد الأمثال الشهيرة «لولا الحسد ما مات أحد»، في إسقاط على سلوكيات البشر على بعض البشر، إذ رصد الظاهرة يكشف بأن بعض البشر يضيع دقائق وحتى ساعات من حياته في الحديث عن البشر، في تتبع ما يقومون به، في ممارسة الفضول والقفز على حيواتهم، في نسج الأحاديث والقصص بشأنهم، وكثير من المسببات لا تخرج عن كونها كراهية أو غيرة أو حسداً.

ديننا وموروثنا وأخلاقياتنا حرمت «أكل لحوم البشر»، وفيما نقل في الحديث الشريف عن رسولنا الكريم سيد أخلاق العالمين نهيه عن الخوض في الأعراض وفي أكل لحوم البشر وهم أحياء، عبر الغيبة والنميمة والكذب.

أنت لديك حياة واحد تعيشها، فلماذا لا تحاول أن تعيشها بإيجابية وسعادة؟! سؤال دائماً أطرحه على من أراه شغله الشاغل الحديث عن الناس، بالأخص ممن لا يكونون شخصيات عامة، أو لا يثار جدل بشأن عملهم الذي يفترض أن يكون له تأثيرات على المجتمع.

نعم نتحدث عن شخصيات مسؤولة أحياناً من منطلق نقاش أساليب عملهم، أو نقدها، أو تقييمها، لكن حتى هذا النقاش لا يجب أن ينحرف ليكون نقاشاً بشأن شخوصهم وحياتهم وخصوصياتهم، لأن تعدي هذه الخطوط هو «العيب الكبير» الذي يقع فيه كثيرون.

لو ترك الناس الحديث عن الناس، وتحديداً الأحاديث التي تجعلك في أدنى مراتب السلوك البشري من منطلقات الحقد والكراهية، لوجدنا أنفسنا مشغولين بأنفسنا وكيفية ترتيب حياتنا، والبحث عن لحظات السعادة فيها، وأيضاً لوجدنا أنفسنا منشغلين بنقاشات معنية بأشياء مفيدة وتنويرية.

نصيحتي التي أقدمها لأعز أصدقائي دائماً تتمثل بالترفع عن الخوض في أي حديث يتم فيه «أكل لحوم البشر»، وإن كنت من مرتادي أي مجلس تدار فيه مثل هذه الأمور فإما تسعى لتقويم الوضع وبيان الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس، وإن لم يأتِ ذلك بنتيجة فالأفضل أن تبتعد لأن استمرارك سيكون بمثابة الشخص الذي يجلس في «مستنقع موحل» ويحاول ألا تتسخ ملابسه، لأنك ستتسخ لا محالة.

اتركوا الخلق للخالق، في حياتهم وفي أمورهم الخاصة ولا تحكموا عليهم بالظاهر، لأن كل إنسان لديه جانبه الخاص الذي لا يفضل تحويله لجانب عام يخوض فيه الناس. حتى في الدين، الله سبحانه وتعالى هو الذي يفصل فيما له هو جل في علاه، هو من يقرر دخول فلان النار ولو كان مصلياً قائماً، أو دخل علان الجنة وإن كان مقصراً ومذنباً.

كيف نفهم المهم في هذه الحياة، وكيف نعيشها؟! هذا هو السؤال الذي إجابته تجعلك تملك السعادة حتى وإن لم تمتلك المال والمنصب والشهرة.