الحنين إلى القرية
الأحد 14 / 04 / 2019
تتميز دول العالم المتقدمة بالسعي للحفاظ على ممتلكات وخيرات وحرف وطبيعة وعادات وتقاليد أرضها، وترى أيضاً أن الحفاظ على القرية واجب سيادي.
هذا المجتمع الصغير بتلك البيوت المتلاصقة الملونة برائحة الطين والمصنوعة من سعف وجريد النخيل أو من خشب الأشجار أو حتى من حصى الجبال ببيوتها المتداخلة والتي لا تتعدى الخمسين بيتاً، بسكان بسيطين وكأنهم يعيشون جميعهم في بيت واحد.
تجمعات سكانية صغيرة، داخل مناطق جغرافية محدودة، قد تكون ريفية زراعية أو سهلية أو جبلية أو حتى صحراوية، تكتنز أراضيها بالموارد الطبيعية والحرف اليدوية يتعايش سكانها فيتواءمون مع الموارد الطبيعية الموجودة في أراضيهم، فهل يا ترى سكان القرى موجودون أم هاجروا إلى المدن فتركوا أراضيهم بخيراتها؟ إن سيطرة نظام المدن الحديثة وتوسعها وخصوصاً في مجتمعات العالم العربي أدى إلى دمج العديد من القرى وبالتالي غاب الاهتمام بالكثير منها فماتت تلك الفضاءات والمساحات المفتوحة الكبيرة في القرية؛ هناك حيث كان الولد يسكن مع والده، فيستيقظ الناس فجراً بدوي النحل مكتفين بذاتهم فيزرعون ويحصدون ومن سمن مراعيهم يتغذون وفِي «قربة» من صنع نسائهم يشربون عذب الماء، فكم كانت تلك القرية كريمة أصيلة... تغذي المدينة بقمحها وتزودها بالجلد المدبوغ ولكنها كما يبدو بالغت في كرمها حينما سمحت لتلك السواعد السمراء التي كانت تحرث وتقطف وتحطب بنزوحها إلى المدن فاستغنت عن استقرارها، فعُدِمت ورحل سكانها مجبرين إلى المدن.
ذلك المكان وبرغم الظروف القاسية إلا أنه أسس حرفيين ومتخصصين في أعمال يدوية ساعدوا على استثمار خيرات المكان الذي عاشوا فيه، إلا أنه بسبب إهمال القرية وعدم الاهتمام باحتياجاتهم اضطروا للنزوح إلى صخب المدن فاختلطوا بأهلها الذين كانوا ينظرون إليهم بعين الجمال حين كانوا في قراهم، وعندما اختلطوا بهم استهجنوا بدائيتهم فضاعت هُوية ابن القرية وغابت شخصيته ضمن ثقافة الأسلوب العصري الحديث.
نعم ماتت الكثير من قرى العالم العربي في حين أن الدول الأوروبية عملت على الحفاظ عليها وعلى ثرواتها، ونظرت إلى أن عملية إنعاشها لا تتطلب إلا حاجات أساسية ماء وكهرباء وعيادة ومدرسة، فالتفتوا إليها وحافظوا عليها، لأن الحفاظ على القرية هو الحفاظ على عادات عميقة تعكس ثقافة البلد. اهتمت المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا وألمانيا بقراها فدربت حكوماتهم الشباب على صناعة الحرف اليدوية وإشغالهم في الزراعة والحصد والتصدير فأنعشوا تجارة القرية من خلال تلك المحاصيل ورفعوا المستوى الإنتاجي، إلى جانب أنهم اهتموا بجوانب أخرى، حيث لاحظوا أن أهل بعض القرى يشتهرون بحب التأمل فسعوا لنشر ثقافة التأمل بالقراءة فأنشؤوا لهم المكتبات المتنقلة والمكتبات الشاملة.
إن عالمنا العربي يمتلك مقومات سياحية ريفية في بعض مناطقه كما هو الحال في الدول الغربية إلى جانب أماكن كثيرة للجذب السياحي في مناخ مثالي، ولكن للأسف لا تستثمر تلك المقومات إلا في وقت متأخر، فكم من قرية في عالمنا العربي لم نعرف قيمتها إلا بعد إعجاب واكتشاف الغرب لها!
مازال اليوم عدد القرى أكثر من المدن، والتي ستستمر كمصدر يمد المدن بالكفاف فلا يجوز إهمالها وبقاؤها يعني استقرار المدن وما عليها من سكان.. وعلينا التشبث بأصالة القرية بالتوازن والتمسك بها، ومهما نزح التطور المعماري وتغيرت ملامح القرية إلا أنها ستبقى بداخلنا تلك الكريمة الجميلة النقية.. ونتمنى أن تعود لعصرها الذهبي ثانية كما كانت، ونرجو أن تستعيد من المدينة ما أخذ منها، من مزارع منتجة وطبيعة خلاّبة وأجيال متوثبة قوية ومعمّرة تزهو بتلك القلوب الصافية.
هذا المجتمع الصغير بتلك البيوت المتلاصقة الملونة برائحة الطين والمصنوعة من سعف وجريد النخيل أو من خشب الأشجار أو حتى من حصى الجبال ببيوتها المتداخلة والتي لا تتعدى الخمسين بيتاً، بسكان بسيطين وكأنهم يعيشون جميعهم في بيت واحد.
تجمعات سكانية صغيرة، داخل مناطق جغرافية محدودة، قد تكون ريفية زراعية أو سهلية أو جبلية أو حتى صحراوية، تكتنز أراضيها بالموارد الطبيعية والحرف اليدوية يتعايش سكانها فيتواءمون مع الموارد الطبيعية الموجودة في أراضيهم، فهل يا ترى سكان القرى موجودون أم هاجروا إلى المدن فتركوا أراضيهم بخيراتها؟ إن سيطرة نظام المدن الحديثة وتوسعها وخصوصاً في مجتمعات العالم العربي أدى إلى دمج العديد من القرى وبالتالي غاب الاهتمام بالكثير منها فماتت تلك الفضاءات والمساحات المفتوحة الكبيرة في القرية؛ هناك حيث كان الولد يسكن مع والده، فيستيقظ الناس فجراً بدوي النحل مكتفين بذاتهم فيزرعون ويحصدون ومن سمن مراعيهم يتغذون وفِي «قربة» من صنع نسائهم يشربون عذب الماء، فكم كانت تلك القرية كريمة أصيلة... تغذي المدينة بقمحها وتزودها بالجلد المدبوغ ولكنها كما يبدو بالغت في كرمها حينما سمحت لتلك السواعد السمراء التي كانت تحرث وتقطف وتحطب بنزوحها إلى المدن فاستغنت عن استقرارها، فعُدِمت ورحل سكانها مجبرين إلى المدن.
ذلك المكان وبرغم الظروف القاسية إلا أنه أسس حرفيين ومتخصصين في أعمال يدوية ساعدوا على استثمار خيرات المكان الذي عاشوا فيه، إلا أنه بسبب إهمال القرية وعدم الاهتمام باحتياجاتهم اضطروا للنزوح إلى صخب المدن فاختلطوا بأهلها الذين كانوا ينظرون إليهم بعين الجمال حين كانوا في قراهم، وعندما اختلطوا بهم استهجنوا بدائيتهم فضاعت هُوية ابن القرية وغابت شخصيته ضمن ثقافة الأسلوب العصري الحديث.
نعم ماتت الكثير من قرى العالم العربي في حين أن الدول الأوروبية عملت على الحفاظ عليها وعلى ثرواتها، ونظرت إلى أن عملية إنعاشها لا تتطلب إلا حاجات أساسية ماء وكهرباء وعيادة ومدرسة، فالتفتوا إليها وحافظوا عليها، لأن الحفاظ على القرية هو الحفاظ على عادات عميقة تعكس ثقافة البلد. اهتمت المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا وألمانيا بقراها فدربت حكوماتهم الشباب على صناعة الحرف اليدوية وإشغالهم في الزراعة والحصد والتصدير فأنعشوا تجارة القرية من خلال تلك المحاصيل ورفعوا المستوى الإنتاجي، إلى جانب أنهم اهتموا بجوانب أخرى، حيث لاحظوا أن أهل بعض القرى يشتهرون بحب التأمل فسعوا لنشر ثقافة التأمل بالقراءة فأنشؤوا لهم المكتبات المتنقلة والمكتبات الشاملة.
إن عالمنا العربي يمتلك مقومات سياحية ريفية في بعض مناطقه كما هو الحال في الدول الغربية إلى جانب أماكن كثيرة للجذب السياحي في مناخ مثالي، ولكن للأسف لا تستثمر تلك المقومات إلا في وقت متأخر، فكم من قرية في عالمنا العربي لم نعرف قيمتها إلا بعد إعجاب واكتشاف الغرب لها!
مازال اليوم عدد القرى أكثر من المدن، والتي ستستمر كمصدر يمد المدن بالكفاف فلا يجوز إهمالها وبقاؤها يعني استقرار المدن وما عليها من سكان.. وعلينا التشبث بأصالة القرية بالتوازن والتمسك بها، ومهما نزح التطور المعماري وتغيرت ملامح القرية إلا أنها ستبقى بداخلنا تلك الكريمة الجميلة النقية.. ونتمنى أن تعود لعصرها الذهبي ثانية كما كانت، ونرجو أن تستعيد من المدينة ما أخذ منها، من مزارع منتجة وطبيعة خلاّبة وأجيال متوثبة قوية ومعمّرة تزهو بتلك القلوب الصافية.