الرأي

قمة تونس.. المشي فوق الأشواك!

حاول المجتمعون في القمة العربية الـ 30 التي عقدت في تونس أمس الأول، لملمة الجراح، على وقع المشي فوق أشواك الأوجاع العربية، بيد أن هذا هو قدرنا، أننا كعرب، نعيش تلك المآسي والجراح، في تلك التوقيتات الحرجة، ومنطقتنا فوق صفيح ساخن، وحرارة جمر لا يتوقف لهيبها، وسط أوضاع غير مستقرة، خلفتها مخرجات «الربيع العربي»، وما قبله.

سعت القمة العربية إلى إرسال مجموعة من الرسائل القوية والملحة لكل من إيران وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والكيان الصهيوني بزعامة بنيامين نتنياهو.

وقد كانت الرسالة الأولى موجهة بشكل مباشر إلى النظام الإيراني، وكان لافتاً استنكار القمة العربية للتدخلات الإيرانية المستمرة في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، ومساندة الإرهاب وتدريب الإرهابيين وتهريب الأسلحة والمتفجرات وإثارة النعرات الطائفية.

وقد استبق حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، البيان الختامي للقمة العربية، وحذر في كلمته، التي ألقاها نيابة عن جلالته، نائب رئيس مجلس الوزراء، سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، لدى ترؤسه سموه وفد مملكة البحرين المشارك في أعمال القمة، من أن «إيران لا تزال الراعي الأول للإرهاب بما يشكله من تهديد سافر ليس على أمن واستقرار دولنا فحسب، بل وعلى الأمن والسلم الإقليمي والدولي، عبر تدخلاتها في شؤون الدول العربية ودعمها متعدد الوسائل للعنف والتطرف والإرهاب والتنظيمات الإرهابية وإثارة الفوضى وزرع الفتن للإضرار بأمن دولنا واستقرارها ومصالح شعوبها».

وقد حرص البيان الختامي للقمة العربية على «إدانة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية باعتباره انتهاكاً لقواعد القانون الدولي ولمبدأ حسن الجوار وسيادة الدول»، فيما طالب العرب إيران «بالكف عن الأعمال الاستفزازية التي من شأنها أن تقوض بناء الثقة وتهدد الأمن والاستقرار في المنطقة».

ولم يفت القادة العرب أيضاً إدانة «عمليات إطلاق الصواريخ الباليستية إيرانية الصنع على السعودية من الأراضي اليمنية من قبل الميليشيات الحوثية التابعة لإيران، بما في ذلك الصواريخ الباليستية التي استهدفت المدن السعودية بما فيها قبلة المسلمين، والتي بلغت حتى الآن أكثر من 200 صاروخ».

الرسالة الثانية، وجهت بشكل مباشر أيضاً إلى إدارة ترامب، والكيان الصهيوني، حيث استبقت القمة العربية إعدادات «صفقة القرن»، التي يجري التسويق لها من قبل إدارة ترامب إرضاء للكيان المحتل، بزعامة نتنياهو، ولذلك، كان التأكيد العربي على مركزية القضية الفلسطينية، وإعادة إطلاق مفاوضات السلام وفق مرجعيات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، ومبدأ حلّ الدولتين، ومواصلة دعم الشعب الفلسطيني وقيادته لاسترداد حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194 وإطلاق سراح الأسرى، فيما كان منطقياً التطرق إلى «قانون الدولة القومية اليهودية»، باعتباره تكريساً للممارسات العنصرية، وتنكرا لحقوق الشعب الفلسطيني وخاصة حقّه في تقرير المصير، وفقا للبيان الختامي للقمة.

ليس هذا فحسب، بل ذهب القادة العرب إلى التشديد على رفض المساس بالجولان المحتل، والتأكيد على أن الجولان أرض سورية عربية محتلة، وفق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وباعتراف المجتمع الدولي، وفي ذلك، رسالة أخرى ثانية إلى إدارة ترامب والكيان الصهيوني، ورسالة ثالثة إلى المجتمع الدولي.

وإذا كان بعض المحللين رأوا تناقضاً في مسألة التشديد على سورية الجولان المحتلة، وفي ذات الوقت، بقي مقعد سوريا شاغراً في الجامعة العربية، فهذا لا يعد تناقضاً لأن الجولان أرض سورية عربية محتلة وليست أرضاً تابعة للنظام السوري وهناك فارق كبير بين الأمرين، لاسيما وأن المتحدث باسم القمة العربية، محمود الخميري، استبق انعقاد القمة بالإعلان بإعلان أن «استعادة سوريا لعضويتها في جامعة الدول العربية يحتاج إلى توافق عربي»، موضحاً أنه «لا يزال هذا الأمر مفقوداً في الوقت الراهن»، معرباً عن «أمله في التوصل إلى صيغة مشتركة لحل الأزمة السورية». وذكر أن «الحل بشأن الأزمة السورية بين الدول العربية لم ينضج بعد، وإن هناك تفاعلاً عربياً كبيراً ومشاورات واسعة تجرى حالياً»، وفقاً لما بثته وسائل إعلام عربية ودولية.

«قمة العزم والتضامن» كما أطلق عليها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، حرصت أيضاً على التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية، وتحقيق التسوية السياسية الشاملة وفق مسار الأمم المتحدة، في تسابق ملحوظ لتعجيل الحل السياسي في البلاد لمواجهة خطر الإرهاب.

وقد كان لمكافحة الإرهاب والتطرف نصيب من البيان الختامي للقمة من خلال التأكيد على التعاون والتنسيق الأمني وتكثيف الجهود لمحاربة التطرّف والإرهاب، واجتثاثه من جذوره والقضاء على مصادر تمويله، من خلال تفعيل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.

* وقفة:

حاولت القمة العربية في تونس تجاوز جراح المشي فوق أشواك الأوضاع الصعبة التي تعيشها المنطقة بتوجيه رسائل إلى إيران وإدارة ترامب والكيان الصهيوني لعلها تعدل الأوضاع المقلوبة في زمن المسخ!!