الرأي

من يحمي المسلمين من 'اليمين المتطرف'؟!

أثارت المجزرة الإرهابية التي وقعت منتصف الشهر الجاري في مسجدي مدينة كرايست تشيرتش بجزيرة ساوث آيلاند، في نيوزيلندا، والتي ارتكبها اليميني المتطرف، أسترالي الجنسية، برينتون تارانت، وتسببت في استشهاد وإصابة عشرات المصلين، الكثير من التساؤلات، حول مدى الخطر الحقيقي الذي يمثله اليمين المتطرف على المسلمين في أوروبا، حيث تجاوز الأمر مسألة «الإسلاموفوبيا»، والخوف المرضي من الإسلام والمسلمين، إلى كيفية حماية المسلمين أنفسهم في القارة العجوز من خطر تطرف وإرهاب اليمين المتطرف، لاسيما مع صعود التيار السياسي لذلك التوجه ليكشف عن وجهه القبيح وحقده الدفين للاجئين والنازحين، وقبلهم المسلمين. وقد برز الصعود السياسي للتيار المتطرف في العامين الأخيرين في بعض الدول الأوروبية، لكن الخوف الحقيقي من زحف تيار التطرف سياسياً إلى بقية أجزاء القارة العجوز، لاسيما وأن أنصاره يعزفون على وتر زيادة نسبة البطالة مع تزايد الإقبال على طلبات اللجوء السياسي لاسيما من الدول التي تشهد غليانا في الشرق الأوسط خاصة سوريا واليمن والعراق وليبيا.

ولذلك فإن مسلمي أوروبا، ومعهم اللاجئين والنازحين، يواجهون خطر عنصرية اليمين المتطرف، وتصاعد خطاب الكراهية، لاسيما مع تنفيذ جماعات إرهابية متطرفة مثل تنظيم الدولة «داعش» هجمات في دول أوروبية، مثلما حدث في الهجمات التي تعرضت لها فرنسا في 2015، وفي الوقت ذاته، هم أنفسهم معرضون لخطر إرهاب تلك الجماعات التي لا تفرق بين المدنيين وهي تنفذ عملياتها الإرهابية الدنيئة.

من هذا المنطلق استغل اليمين المتطرف، الهجمات الإرهابية التي تنفذها مجموعات متطرفة مثل «داعش» و«القاعدة» وغيرها، وفي ذات الوقت، مسألة النزوح واللجوء التي تزايدت في الآونة الأخيرة، ليعزف على وتر البطالة وعدم حصول الأوروبي على حقه في العيش الكريم، ليبدأ الترويج لتياره السياسي الذي يبغض الإسلام والمسلمين في الأساس، وينهج العنصرية في الترويج لفكره ومبادئه.

بيد أن القضية الرئيسة الملاحظة هي كيف أن الإعلام الغربي يسعى للترويج لخطر الجماعات الراديكالية وإرهابها، وشيئا فشيئا يزحف نحو تخويف الأوروبيين من الإسلام والمسلمين، وفي الوقت ذاته، يتجاهل خطر اليمين المتطرف وكيف أن إرهاب هذا التيار يستهدف في المقام الأول المسلمين، واللاجئين، والأقليات في القارة العجوز، ليثار تساؤلاً حقيقياً حول من يحمي المسلمين في أوروبا من خطر إرهاب اليمين المتطرف؟!

وما يكشف النفاق الأوروبي تجاه تلك القضية الحساسة أن إعلام القارة العجوز يتعمد بشكل واضح وجلي تجاهل نشر إحصائيات وأرقام تتعلق بالاعتداءات الإرهابية التي يتعرض لها المسلمون والنازحون واللاجئون والأقليات العرقية على يد اليمين المتطرف، بل ربما لا يتوقف الأمر عند مسألة كشف تلك الحقائق، بل تجاهل عملية الرصد في الأساس، بحيث تستثنى من كونها عمليات إرهابية واعتداءات متطرفة.

وقد وجد الخطاب الشعبوي اليميني المتطرف ضالته في تأجيج الكراهية ضد المسلمين والأقليات العرقية والنازحين واللاجئين السياسيين، وصب جام غضبه على زعماء سياسيين أوروبيين لعل أبرزهم، المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي توصف بأنها «أم اللاجئين»، لاسيما بعدما فاجأت العالم بفتح الحدود أمام اللاجئين إثر غرق الآلاف في مياه البحر المتوسط أثناء الهجرة والنزوح، حيث تمسكت ميركل بموقفها بمواجهة معارضة شديدة قادها اليمين المتطرف في ألمانيا احتجاجا على استضافة ألمانيا أكثر من مليون لاجئ ومهاجر. ولا يختلف الوضع كثيرا في أمريكا، حيث يرى مراقبون ومحللون تصاعداً في خطاب الكراهية ضد المسلمين في أمريكا لاسيما منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم في البلاد، وسط تحذيرات من مسألة منع مسلمي بعض الدول من دخول أمريكا.

من هذا المنطلق حذرت صحف غربية من تنامي التيار المتطرف في الغرب ووجود سياسيين متطرفين يروجون لذلك الاتجاه لدى جماهير اليمين المتطرف، حيث يستخدمون لغة تدغدغ المشاعر تشير إلى البطالة وتفوق العرق الأبيض، وهذا ما ذهبت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عندما حذرت من تنامي أيديولوجية اليمين المتطرف في الغرب، والقائمة على فكرة تفوق العرق الأبيض، داعية إلى اجتثاث هذه المشكلة من جذورها، وفقاً لما نقله موقع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، الذي تطرق أيضاً إلى تحذير مجلة «فورين بوليسي» من أن العداء للإسلام، صار تياراً عالمياً، مع صعود اليمين في الغرب، مشيرة إلى أنه وفي ظل تلك الحقيقة فإن هجوم نيوزيلندا يمكن أن يتكرر في أماكن أخرى».

* وقفة:

لن تنعم القارة العجوز بالأمن والاستقرار إذا لم يتحرك ساساتها لوقف زحف إرهاب اليمين المتطرف ضد المسلمين وعدم التفريق والازدواجية بين «إرهاب داعش» و«إرهاب اليمين المتطرف»!!