الرأي

الحرب الأهلية البريطانية

اكتظ الخطاب البريطاني منذ شهرين تقريباً بغريب ‏المصطلحات على ‏ديمقراطيتها، مثل استدعاء الاحتياط، ونشر الجنود، وتعزيز ‏عمليات الجيش، والتواصل ‏مع مختلف السلطات وتوظيف ‏مهارات متخصصة، وطلب دعم عمليات مراكز ‏القيادة ‏الإقليمية وتنفيذ خطط بعض أقسام حكومية. وكلها مفردات في الفكر ‏العسكري تأتي تحت ‏مسمى التعبئة العامة «‏General Mobilization‏» بمعنى ‏تحويل القوات المسلحة لحالة ‏الحرب أو شبه الحرب وإعادة بناء ‏اقتصاد الدولة ومؤسساتها ‏وقدراتها ‏ومواردها المادية والبشرية وقوانينها ‏لتوفير حاجات حرب طويلة الأمد ‏وتحقيق ‏أهدافها. وبريطانيا هي سيدة فن التعبئة العامة حيث ‏نتذكر بأنها رفعت تعداد القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى من 400 ألف إلى ما ‏يزيد على 5 ملايين جندي. لكن لماذا يمثل الخروج من «بريكست» دون اتفاق مثل هذا ‏الرعب لحكومة تيريزا ماي حتى تأخذ مثل هذا المنحى التعبوي الذي لا يمكن إنكاره من ‏المؤشرات التالية: ‏

‏- سيكون قد تم نشر الجنود البريطانيين منذ 10 فبراير الجاري، لفترة 12 شهراً قابلة ‏للتجديد كما جاء في بيان وزارة الدفاع البريطانية مما يفتح التكهنات بطول الأزمة بحيث ‏لن تقل عن عام.‏

‏- تتوقع تيريزا ماي تدهوراً درامياً في العلاقات الدولية رغم أن الأمر في تقديرنا هو بناء ‏على قراءة التغيرات المقبلة على الساحة المحلية، لكن المحير هو تصريح وزير الدفاع ‏البريطاني أن 3500 جندي وجندي احتياط مستعدون للانتشار في حال المضي في ‏»بريكست» دون اتفاق، فهل هذا الحجم لشأن محلي؟! ‏

‏- عسكرة الشارع أتت بعد أن حذرت اتحادات تجارية من وقوع اضطرابات واسعة ‏النطاق إذا حدثت تأخيرات طويلة للواردات من الاتحاد الأوروبي بسبب إجراءات ‏الفحص الجمركية الجديدة، واحتمال حدوث نقص في الغذاء والدواء.‏

‏- في كلمتها بمناسبة الكريسماس الماضي كانت هناك إشارات مبطنة تظهر خوف الملكة ‏إليزابيث الثانية من انقسام البريطانيين بسبب «بريكست»، وعدم إظهار «الاحترام» ‏لبعضهم، جراء التوتر السائد في البرلمان كإثارة زعيم المعارضة العمالية جيريمي ‏كوربن غضب النواب المحافظين بعد أن قال إن ماي «امرأة حمقاء»‏.

‏- إعادة إحياء خطط طوارئ أبرزت فزعاً غير ضروري كخطة إجلاء العائلة المالكة والتي كانت ستستخدم إبان الحرب الباردة، رغم ‏أن كبار العائلة المالكة مكثوا في لندن خلال القصف في الحرب العالمية الثانية. فكيف ‏يتحدثون عن نقل الملكة إليزابيث من العاصمة بعيداً عن هذه الأماكن الرئيسة إذا ‏وقعت اضطرابات وأعمال شغب في لندن!‏

ويبقى سؤال عما إذا كانت القيم الديمقراطية لدى الشعب البريطاني، وأداء مؤسسة ‏الحكم هما بتلك الهشاشة! فلو كان الأمر في دولة من دول العالم الثالث لعدت من مؤشرات ‏عدم الاستقرار. ‏

* بالعجمي الفصيح:

‏ بحسب تقارير عدة تبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا ما بين 130-200 مليار دولار، يمثل 40% منها استثمارات في القطاع العقاري، فإذا كانت هناك ‏توقعات بتراجع الجنيه الإسترليني بعد نهاية شهر مارس 2019، فهل ستنهار ‏استثماراتنا بعد نقل خلاف الرأي حول «البريكست» إلى دائرة التحريض ثم دائرة العصيان.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج