الرأي

الحاخام شمعون.. مثال للتسامح

المنامة، عاصمة مملكة البحرين منذ الأزل، يسكنها أو قل سكنتها الديانات السماوية الثلاث، الإسلام واليهودية والنصرانية، إلى جانب الديانات الأخرى وأهمها الديانات التي نشأت في الهند، ولها معابدها الخاصه، وأيضاً في المنامة بالذات، أما القرى وأطراف المملكة في الشمال والجنوب والشرق والغرب فهي خالية من هذا التنوع الديني وأهله.

واليهود والمسلمون متجاورون في الفرجان، من فريق الفاضل وما جاوره من الفرجان إلى فريق الشيوخ «فريق بوصره»، وفريق بن جعفر والمحيط بالمسجد الجامع الكبير، للمغفور له الشيخ علي بن خليفة آل خليفة والد الشيخ عيسى بن علي بن خليفة آل خليفة، والمشهور بجامع المهزع كون آل مهزع يتولون الإمامة فيه وفي مقدمتهم الشيخ القاضي الرئيس قاسم المهزع رحمه الله تعالى، هذا في الفرجان جنباً إلى جنب أخيه وأصدقائه، النساء مع النساء والرجال مع الرجال والأبناء مع الأبناء في الفرجان والمدارس، وتعد عمارة هلال المطيري الواقعة إلى شمال المنامة والمحاذية للجمارك والجوازات من الشمال سابقاً، هنا من أهل التجمعات التي تضم يهود البحرين أذكر منهم خضوري مالك البيت الواقع بفريق النعيم الشرقي حيث استأجرنا منه البيت ليكون مقراً لنادي اللؤلؤ عام 1962 حيث كان للشباب خير معوان.

ويهود البحرين تجار بطبعهم أصحاب مهن وصيرفة وتجارة أقمشة وللرجال منهم دكاكين في المنامة تحاذي دكاكين المسلمين بكل حب ومودة وتبادل تجاري قائم على التعاون، والنساء منهن أيضاً يتعاملن ببيع القماش «الخلق»، حيث يقمن بالمرور على البيوت ويعرضن أنواع القماش على ربات البيوت في جلسة حميمية يتخللها تناول القهوة والشاي والتفاهم على الأسعار، وجميع نساء ذلك الزمان يتدثرن بالعباية «الدفة»، مثلهن مثل النساء المسلمات لا فرق بينهن إلا من حيث الوجه، فاليهوديات سافرات الوجه والمسلمات يضعن «الملفع» على وجوههن إذا خرجن للتسوق أو زيارة الأهل، والنساء المسلمات الكبيرات في السن يضعن على وجوههن «البطولة».

وببراءة الأطفال يتشاركون في الألعاب الشعبية القديمة، ولي صديق من يهود فريقنا اسمه عادل، وله أخت اسمها رحمة صغيرة تلعب مع البنات -هذه المذكرات قبل عام 1948- وفي تلك الحقبة لا توجد إلا مدرستان ابتدائيتان في المنامة، الشرقية على شارع الشيخ عبدالله لأبناء شرق المنامة، والغربية لأبناء غرب المنامة، وكل مدرسة تضم اليهود والمسلمين كتفاً بكتف بغض النظر عن جنسيتهم ودينهم، وفي حصة الدين -لا يُدرس إلا الدين الإسلامي للمسلمين فقط- واليهود يطلب منهم قضاء حصة الدين في أي نشاط مدرسي يحبونه أو يفضلونه إلا تلميذاً يهودياً يصر على أستاذ الدين بالبقاء بالصف لأن والده يحثه على تعلم الدين الإسلامي، وحسب قول التلميذ إن والده يحثه على تعلم الدين الإسلامي ويقول له لا فرق، كما أتذكر الأخوين روبين وشقيقه حسقيل على ما أعتقد.

ورجوعاً إلى عنوان الموضوع وهو الحاخام شمعون، هو رجل طويل القامة، وقور، يلبس بدلة سوداء وطربوشاً أسود مستطيلاً مثل الطربوش العراقي لا المصري.

منزله في فريقنا فريق الشيوخ، على شارع آل خليفة مقابل بيت نوخذة الغوص المشهور مهنا المهنا.

والحاخام شمعون يقوم بذبح الدجاج والحمام في الفناء الخارجي من بيته ويتقاطر إلى بيته صباح كل جمعة أصحاب الديانة اليهودية ويصطحبون معهم الدجاج والحمام، ليقوم هو بذبحها حسب الشريعة اليهودية والذبح بموسى حادة يمررها على رقبة الدجاجة أو الحمامة، وهو الذي يقرر أن الذبيحة حلال أم حرام أكلها، وينتهي بآخر ذبيحة، ويسلم على الجميع ويدخل إلى بيته بابتسامة وسلام على الحاضرين المتحلقين حوله من اليهود والمسلمين.

نعم، إن البحرين هي بلاد التسامح والحب والأُلفة بين البشر من كل الديانات ومن كل الأجناس البشرية، قال الله تعالى في كتابه الحكيم «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير»، «سورة الحجرات: الآية 13»، وأحب أن أشير هنا إلى أن أول كنيسة للنصارى بنيت في البحرين وهي كنيسة المستشفى الأمريكي الذي تم تأسيسه عام 1901 الواقع على شارع خلف العصفور في المنامة، وهناك كنائس كثيرة للمسيحيين، أما الكنيس اليهودي فيقع إلى الشرق من سوق الدلالوة والحراج غير بعيد من فريق الشيوخ وفريق المهزع، كما أن هناك معبداً كبيراً للهندوس على الشارع الحضرمي، أما بالنسبة للمسلمين، فالبحرين دوله تعتنق الدين الإسلامي منذ فجر الإسلام وتنتشر فيها المساجد بكثرة في طول البلاد وعرضها ومن شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.

هذا التنوع في الأجناس والأديان في بلادنا الغالية رسخه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، وثبته على أرض الواقع حتى غدت بلادنا مثالاً أعلى في التعايش السلمي بين مختلف الديانات والأجناس. حفظ الله تعالى البحرين من كل سوء ومكروه، وإلى مزيد من الأمن والاستقرار وبناء بلادنا لتأخذ مكانها المنشود في سلم الحضارة والسلام.