بين الطب التقليدي الصيني والطب التقليدي المصري والعربي '2'
الاثنين 05 / 11 / 2018
نواصل في الجزء الثاني من المقال حديثنا عن الطب التقليدي الصيني والطب التقليدي المصري والعربي. لقد كان إعادة الاكتشاف من نخبة من علماء مصر في المركز القومي العلمي وكان ومازال رائد هذه النخبة وملهمها الأستاذ الدكتور أبو الفتوح محمد عبدالله يوسف وعدد من مساعديه ومن بينهم الدكتور محمد عزو مسؤول الإعلام العلمي حول هذا النبات. ولقد زرت تلك الوحدة العلمية، وأدركت سر معجزة المصريين القدماء التي تتمثل في العمل الجاد والإخلاص في البحث العلمي بعيداً عن المظاهر البراقة والمباني الفخمة، هذه النخبة تجلس في غرفة صغيرة، كما لو كانوا من المبتدئين وهم من نخبة العلماء، ولا تسعفني الذاكرة للتحدث عن كل واحد أو واحدة منهم ولكن هذه الوحدة أثبتت خمس حقائق:
الأولى: إن البحث العلمي الجاد متوافر لدى تلك النخبة غير عابئين بالمكان الضيق وغير الملائم لهؤلاء العلماء. وهم يبحثون بدون تذمر وبدون مصلحة شخصية، ودافعهم العمل العلمي المبتكر في مجال الطب المصري التقليدي.
الثانية: أن هؤلاء العلماء لا يسعون لمنصب أو وظيفة عليا في الجهاز الإداري أو المؤسسات العلمية بقدر اهتمامهم بالبحث العلمي الحقيقي، ووجدت على مكتب أحدهم ما لا يقل عن عشرة مجلدات من رسائل الماجستير والدكتوراه التي أشرفوا عليها ذات صلة بالمورنجا Moringa. وتساءلت في نفسي أين وزارتا البحث العلمي والصحة لتشجيع ذلك. وهذا أعاد لذاكرتي أمراً مهماً ومحزناً عندما كنت مندوب مصر الدائم في جامعة الدول العربية وكان هناك اجتماع لوزراء البحث العلمي العرب، وهالني أن معظم حديثهم كان عن قراءة الفنجان والتنبؤات المرتبطة به، وكان الأكثر إيلاماً لنفسي وزير البحث العلمي المصري آنذاك فأدركت أن البحث العلمي العربي في مأساة عظيمة، وهذا سر التخلف العربي، وقلت في نفسي أين ابن رشد صاحب علم المنطق والعقل، وابن خلدون رائد علم الاجتماع، وابن سينا رائد الطب في العصور الزاهرة للحضارة الإسلامية، والذي اعتمد عليه الأوروبيون في عصر النهضة وكان كتاب «القانون في الطب» هو المرجع الرئيس لأوروبا لعدة قرون، وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية وحزنت آنذاك حزناً عميقاً.
الثالثة: أن العالم المعاصر يسعى لإحياء حضاراته القديمة وكشف أسرارها ومصادر قوتها وسر تقدمها ونبوغها والاستفادة بذلك في العصر الحديث، وزرت مستشفى الطب الصيني التقليدي في بكين وذلك في سعي للبحث عن دواء لشخصية تهمني جداً، كما زرت وحدة البحث العلمي في نبات المورنجا في المركز القومي العلمي، وأثلجت بحوث وعلوم وفكر أعضاء الوحدة صدري حيث استقبلتني مجموعة من العاملات في مدخل المبنى ولديهن وحدة للترويج للمنتجات الطبية من المورنجا يبعنها بسعر زهيد، وفي كل استفسار يقلن بتواضع إن المرجعية العلمية لهن هو الأستاذ الدكتور أبو الفتوح الذي يكرس حياته من أجل هذا العلم الطبي. وأعاد ذلك لذاكرتي عندما كنت سفيراً لمصر في الصين وزارها آنذاك الرئيس حسني مبارك واستطعت أن أقتطع من وقته ساعات محدودة لزيارة منزل مصر الذي يقيم فيه السفير والملحق بالسفارة، وأخذني الحديث مع الرئيس وعرضت عليه الدواء الصيني لعلاج فيروس الكبد الوبائي سي الذي كان ومازال كثير من المصريين يعانون منه، وأحضرت له الدواء الصيني، وشرحت مدى رخص ثمنه مقارنة بالثمن الغالي للدواء الأمريكي، وبالفعل أصدر تعليماته للطبيب الخاص المرافق له بأخذ الدواء والتدقيق فيه وفي مدى صلاحيته فإذا ثبت ذلك فيتم استيراده لمصلحة الشعب الذي يعاني من المرض وتم بالفعل الموافقة عليه بعد أن كانت الجهة الرسمية ترفض التصريح بالدواء لأسبابها، وتم إنشاء شركة في مؤسسة الأهرام للترويج للدواء بسعر زهيد، ولعب إبراهيم نافع رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام والمستشار التجاري المصري في الصين فكري تادروس دوراً مهماً في هذا الأمر.
ما أرغب في قوله هو أن مصر أرض العلماء والخبراء رغم أن كثيراً من أبناء شعبها يعانون من المرض بفيروس سي ولذلك كان الرئيس عبدالفتاح السيسي مبادراً بإصدار الأوامر للكشف عن المرضى وتقديم العلاج بانتظام وهذه من المبادرات البناءة للسيسي ابن مصر البار.
وفي نفس الوقت فإنني أناشد الرئيس السيسي إعطاء اهتمام مناسب رغم مشاغله لنبات المورنجا ومنتجاته وعلمائه المخلصين لكي تتحول مصر إلى منتجة وربما مصدرة لدواء، أشبه بالمعجزة وأن يستدعي النخبة من العلماء، ولا يعين أياً منهم في منصب وزاري، وإنما في منصب علمي، فمصر الحديثة أصيبت بالتدهور عندما تحول الأكاديميون ليصبحوا وزراء فتراجع البحث والإنتاج العلمي وتدهورت الجامعات ومراكز الأبحاث، فأصبح العلماء وزراء ولم يتحول الوزراء إلى علماء فسيطرت البيروقراطية. وللحديث بقية.
* مستشار رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات» - سفير مصر الأسبق في الصين
الأولى: إن البحث العلمي الجاد متوافر لدى تلك النخبة غير عابئين بالمكان الضيق وغير الملائم لهؤلاء العلماء. وهم يبحثون بدون تذمر وبدون مصلحة شخصية، ودافعهم العمل العلمي المبتكر في مجال الطب المصري التقليدي.
الثانية: أن هؤلاء العلماء لا يسعون لمنصب أو وظيفة عليا في الجهاز الإداري أو المؤسسات العلمية بقدر اهتمامهم بالبحث العلمي الحقيقي، ووجدت على مكتب أحدهم ما لا يقل عن عشرة مجلدات من رسائل الماجستير والدكتوراه التي أشرفوا عليها ذات صلة بالمورنجا Moringa. وتساءلت في نفسي أين وزارتا البحث العلمي والصحة لتشجيع ذلك. وهذا أعاد لذاكرتي أمراً مهماً ومحزناً عندما كنت مندوب مصر الدائم في جامعة الدول العربية وكان هناك اجتماع لوزراء البحث العلمي العرب، وهالني أن معظم حديثهم كان عن قراءة الفنجان والتنبؤات المرتبطة به، وكان الأكثر إيلاماً لنفسي وزير البحث العلمي المصري آنذاك فأدركت أن البحث العلمي العربي في مأساة عظيمة، وهذا سر التخلف العربي، وقلت في نفسي أين ابن رشد صاحب علم المنطق والعقل، وابن خلدون رائد علم الاجتماع، وابن سينا رائد الطب في العصور الزاهرة للحضارة الإسلامية، والذي اعتمد عليه الأوروبيون في عصر النهضة وكان كتاب «القانون في الطب» هو المرجع الرئيس لأوروبا لعدة قرون، وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية وحزنت آنذاك حزناً عميقاً.
الثالثة: أن العالم المعاصر يسعى لإحياء حضاراته القديمة وكشف أسرارها ومصادر قوتها وسر تقدمها ونبوغها والاستفادة بذلك في العصر الحديث، وزرت مستشفى الطب الصيني التقليدي في بكين وذلك في سعي للبحث عن دواء لشخصية تهمني جداً، كما زرت وحدة البحث العلمي في نبات المورنجا في المركز القومي العلمي، وأثلجت بحوث وعلوم وفكر أعضاء الوحدة صدري حيث استقبلتني مجموعة من العاملات في مدخل المبنى ولديهن وحدة للترويج للمنتجات الطبية من المورنجا يبعنها بسعر زهيد، وفي كل استفسار يقلن بتواضع إن المرجعية العلمية لهن هو الأستاذ الدكتور أبو الفتوح الذي يكرس حياته من أجل هذا العلم الطبي. وأعاد ذلك لذاكرتي عندما كنت سفيراً لمصر في الصين وزارها آنذاك الرئيس حسني مبارك واستطعت أن أقتطع من وقته ساعات محدودة لزيارة منزل مصر الذي يقيم فيه السفير والملحق بالسفارة، وأخذني الحديث مع الرئيس وعرضت عليه الدواء الصيني لعلاج فيروس الكبد الوبائي سي الذي كان ومازال كثير من المصريين يعانون منه، وأحضرت له الدواء الصيني، وشرحت مدى رخص ثمنه مقارنة بالثمن الغالي للدواء الأمريكي، وبالفعل أصدر تعليماته للطبيب الخاص المرافق له بأخذ الدواء والتدقيق فيه وفي مدى صلاحيته فإذا ثبت ذلك فيتم استيراده لمصلحة الشعب الذي يعاني من المرض وتم بالفعل الموافقة عليه بعد أن كانت الجهة الرسمية ترفض التصريح بالدواء لأسبابها، وتم إنشاء شركة في مؤسسة الأهرام للترويج للدواء بسعر زهيد، ولعب إبراهيم نافع رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام والمستشار التجاري المصري في الصين فكري تادروس دوراً مهماً في هذا الأمر.
ما أرغب في قوله هو أن مصر أرض العلماء والخبراء رغم أن كثيراً من أبناء شعبها يعانون من المرض بفيروس سي ولذلك كان الرئيس عبدالفتاح السيسي مبادراً بإصدار الأوامر للكشف عن المرضى وتقديم العلاج بانتظام وهذه من المبادرات البناءة للسيسي ابن مصر البار.
وفي نفس الوقت فإنني أناشد الرئيس السيسي إعطاء اهتمام مناسب رغم مشاغله لنبات المورنجا ومنتجاته وعلمائه المخلصين لكي تتحول مصر إلى منتجة وربما مصدرة لدواء، أشبه بالمعجزة وأن يستدعي النخبة من العلماء، ولا يعين أياً منهم في منصب وزاري، وإنما في منصب علمي، فمصر الحديثة أصيبت بالتدهور عندما تحول الأكاديميون ليصبحوا وزراء فتراجع البحث والإنتاج العلمي وتدهورت الجامعات ومراكز الأبحاث، فأصبح العلماء وزراء ولم يتحول الوزراء إلى علماء فسيطرت البيروقراطية. وللحديث بقية.
* مستشار رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات» - سفير مصر الأسبق في الصين